ثم لم يقبلها عمر اقتداء بأبي بكر، ثم لم يقبلها عثمان، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان.
فإن قيل: إن الله تعالى أمره بإخراج الصدقة، فكيف يجوز من الرسول عليه السلام أن لا يقبلها منه؟
قلنا: لا يبعد أن يقال: إنه تعالى منع الرسول عليه السلام عن قبول الصدقة منه على سبيل الإهانة له ليعتبر غيره به، فلا يمتنع عن أداء الصدقات، ولا يبعد أيضا أنه إنما أتى بتلك الصدقة على وجه الرياء، لا على وجه الإخلاص؛ وأعلم الله الرسول عليه السلام ذلك فلم يقبل تلك الصدقة، لهذا السبب، ويحتمل أيضا أنه تعالى لما قال: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * وكان هذا المقصود غير حاصل في ثعلبة مع نفاقه، فلهذا السبب امتنع رسول الله عليه السلام من أخذ تلك الصدقة. والله أعلم.
المسألة الثانية: ظاهر الآية يدل على أن بعض المنافقين عاهد الله في أنه لو آتاه مالا لصرف بعضه إلى مصارف الخيرات، ثم إنه تعالى آتاه المال، وذلك الإنسان ما وفى بذلك العهد، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: المنافق كافر، والكافر كيف يمكنه أن يعاهد الله تعالى؟
والجواب: المنافق قد يكون عارفا بالله، إلا أنه كان منكرا لنبوة محمد عليه السلام، فلكونه عارفا بالله يمكنه أن يعاهد الله، ولكونه منكرا لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، كان كافرا. وكيف لا أقول ذلك وأكثر هذا العالم مقرون بوجود الصانع القادر؟ ويقل في أصناف الكفار من ينكره، والكل معترفون بأنه تعالى هو الذي يفتح على الإنسان أبواب الخيرات، ويعلمون أنه يمكن التقرب إليه بالطاعات وأعمال البر والإحسان إلى الخلق، فهذه أمور متفق عليها بين الأكثرين، وأيضا فلعله حين عاهد الله تعالى بهذا العهد كان مسلما، ثم لما بخل بالمال، ولم يف بالعهد صار منافقا، ولفظ الآية مشعر بما ذكرناه حيث قال: * (فأعقبهم نفاقا) *.
السؤال الثاني: هل من شرط هذه المعاهدة أن يحصل التلفظ بها باللسان، أو لا حاجة إلى التلفظ حتى لو نواه بقلبه دخل تحت هذه المعاهدة؟
الجواب: منهم من قال: كل ما ذكره باللسان أو لم يذكره، ولكن نواه بقلبه فهو داخل في هذا العهد. يروى عن المعتمر بن سليمان قال: أصابتنا ريح شديدة في البحر، فنذر قوم منا أنواعا من النذور، ونويت أنا شيئا وما تكلمت به، فلما قدمت البصرة سألت أبي، فقال: يا بني فبه. وقال أصحاب هذا القول إن قوله: * (ومنهم من عاهد الله) * كان شيئا نووه في أنفسهم، ألا ترى أنه