وأما الثاني: وهو قوله: * (ويؤمن للمؤمنين) * فالمعنى أنه يسلم للمؤمنين قولهم والمعنى أنهم إذا توافقوا على قول واحد، سلم لهم ذلك القول، وهذا ينافي كونه سليم القلب سريع الاغترار.
فإن قيل: لم عدى الإيمان إلى الله بالباء وإلى المؤمنين باللام؟
قلنا: لأن الإيمان المعدى إلى الله المراد منه التصديق الذي هو نقيض الكفر، فعدى بالباء، والإيمان المعدى إلى المؤمنين معناه الاستماع منهم والتسليم لقولهم فيتعدى باللام، كما في قوله: * (وما أنت بمؤمن لنا) * (يوسف: 17) وقوله: * (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) * (يونس: 83) وقوله: * (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * (الشعراء: 111) وقوله: * (آمنتم له قبل أن آذن لكم) * (الشعراء: 49).
وأما الثالث: وهو قوله: * (ورحمة للذين آمنوا منكم) * فهذا أيضا يوجب الخيرية لأنه يجري أمركم على الظاهر، ولا يبالغ في التفتيش عن بواطنكم، ولا يسعى في هتك أستاركم، فثبت أن كل واحد من هذه الأوصاف الثلاثة يوجب كونه * (أذن خير) * ولما بين كونه سببا للخير والرحمة بين أن كل من آذاه استوجب العذاب الأليم، لأنه إذا كان يسعى في إيصال الخير والرحمة إليهم مع كونهم في غاية الخبث والخزي، ثم إنهم بعد ذلك يقابلون إحسانه بالإساءة وخيراته بالشرور، فلا شك أنهم يستحقون العذاب الشديد من الله تعالى.
المسألة الرابعة: أما قراءة من قرأ * (أذن خير) * بالتنوين في الكلمتين ففيه وجوه:
الوجه الأول: التقدير قل أذن واعية سامعة للحق خير لكم من هذا الطعن الفاسد الذي تذكرون، ثم ذكر بعده ما يدل على فساد هذا الطعن، وهو قوله: * (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم) * والمعنى أن من كان موصوفا بهذه الصفات، فكيف يجوز الطعن فيه، وكيف يجوز وصفه بكونه سليم القلب سريع الاغترار؟
الوجه الثاني: أن يضمر مبتدأ، والتقدير: هو أذن خير لكم، أي هو أذن موصوف بالخيرية في حقكم، لأنه يقبل معاذيركم، ويتغافل عن جهالاتكم، فكيف جعلتم هذه الصفة طعنا في حقه؟
الوجه الثالث: وهو وجه متكلف ذكره صاحب النظم. فقال: * (أذن) * وإن كان رفعا بالابتداء في الظاهر لكن موضعه نصب على الحال وتأويله قل هو أذنا خير إذا كان أذنا فهو خير لكم لأنه يقبل معاذيركم، ونظيره، وهو حافظا خير لكم، أي هو حال كونه حافظا لكم إلا أنه لما كان محذوفا وضع الحال مكان المبتدأ تقديره، وهو حافظ خير لكم وإضمار " هو " في القرآن كثير.