المؤنسة. ثم إن الليل يطمئن إليه الإنسان لأنه أتعب نفسه بالنهار واحتاج إلى زمان يستريح فيه وذلك هو الليل.
فإن قيل: أليس أن الخلق يبقون في الجنة في أهنأ عيش، وألذ زمان مع أنه ليس هناك ليل؟ فعلمنا أن وجود الليل والنهار ليس من ضروريات اللذة والخير في الحياة قلنا: كلامنا في أن الليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم، أما في الدار الآخرة فهذه العادات غير باقية فيه فظهر الفرق.
المبحث الثاني: قرأ عاصم والكسائي * (وجعل الليل) * على صيغة الفعل، والباقون جاعل على صيغة اسم الفاعل حجة من قرأ باسم الفاعل أن المذكور قبله اسم الفاعل، وهو قوله: * (فالق الحب. وفالق الإصباح) * وجاعل أيضا اسم الفاعل. ويجب كون المعطوف مشاركا للمعطوف عليه، وحجة من قرأ بصيغة الفعل أن قوله: * (والشمس والقمر) * منصوبان ولا بد لهذا النصب من عامل، وما ذاك إلا أن يقدر قوله: * (وجعل) * بمعنى وجاعل الشمس والقمر حسبانا وذلك يفيد المطلوب.
وأما قوله تعالى: * (والشمس والقمر حسبانا) * ففيه مباحث:
المبحث الأول: معناه أنه قدر حركة الشمس والقمر بحساب معين كما ذكره في سورة يونس في قوله: * (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) * (يونس: 5) وقال في سورة الرحمن: * (الشمس والقمر بحسبان) * (الرحمن: 5) وتحقيق الكلام فيه أنه تعالى قدر حركة الشمس مخصوصة بمقدار من السرعة والبطء بحيث تتم الدورة في سنة، وقدر حركة القمر بحيث يتم الدورة في شهر، وبهذه المقادير تنتظم مصالح العالم في الفصول الأربعة، وبسببها يحصل ما يحتاج إليه من نضج الثمار، وحصول الغلات، ولو قدرنا كونها أسرع أو أبطأ مما وقع، لاختلت هذه المصالح فهذا هو المراد من قوله: * (والشمس والقمر حسبانا) *.
المبحث الثاني: في الحسبان قولان: الأول: وهو قول أبي الهيثم أنه جمع حساب مثل ركاب وركبان وشهاب وشهبان. والثاني: أن الحسبان مصدر كالرجحان والنقصان. وقال صاحب " الكشاف ": الحسبان بالضم مصدر حسب، كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب، ونظيره الكفران والغفران والشكران.
إذا عرفت هذا فنقول: معنى جعل الشمس والقمر حسبانا جعلهما على حساب. لأن حساب الأوقات لا يعلم إلا بدورهما وسيرهما.
المبحث الثالث: قال صاحب " الكشاف ": * (والشمس والقمر) * قرئا بالحركات الثلاث، فالنصب