فمنكم مستقر ذكر ومنكم مستودع أنثى إلا أنه تعالى عبر عن الذكر بالمستقر لان النطفة إنما تتولد في صلبه وإنما تستقر هناك وعبر عن الأنثى بالمستودع لان رحمها شبيهة بالمستودع لتلك النطفة. والله أعلم.
(المبحث الثالث) مقصود الكلام أن الناس إنما تولدوا من شخص واحد وهو آدم عليه السلام، ثم اختلفوا في المستقر والمستودع بحسب الوجوه المذكورة فنقول. الاشخاص الانسانية متساوية في الجسمية ومختلفة في الصفات التي باعتبارها حصل التفاوت في المستقر والمستودع والاختلاف في تلك الصفات لابد له من سبب ومؤثر وليس السبب هو الجسمية ولوازمها وإلا لامتنع حصول التفاوت في الصفات، فوجب أن يكون السبب هو الفاعل المختار الحكيم ونظير هذه الآية في الدلالة قوله تعالى (واختلاف ألسنتكم وألوانكم) ثم قال تعالى (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) والمراد من هذا التفصيل أنه بين هذه الدلائل على وجه الفصل للبعض عن البعض. ألا ترى أنه تعالى تمسك أولا بتكوين النبات والشجر من الحب والنوى، ثم ذكر بعده التمسك بالدلائل الفلكية من ثلاثة وجوه، ثم ذكر بعده التمسك بأحوال تكوين الانسان فقد ميز تعالى بعض هذه الدلائل عن بعض، وفصل بعضها عن بعض لقوم يفقهون، وفيه أبحاث: الأول: قوله (لقوم يفقهون) ظاهره مشعر بأنه تعالى قد يفعل الفعل لغرض وحكمة.
وجواب أهل السنة: أن اللام لا العاقبة، أو يكون ذلك محمولا على التشبيه بحال من يفعل الفعل لغرض. والثاني: أن هذه الآية تدل على أنه تعالى أراد من جميع الخلق الفقه، والفهم والايمان. وما أراد بأحد منهم الكفر. وهذا قول المعتزلة.
وجواب أهل السنة: أن المراد منه كأنه تعالى يقول: إنما فصلت هذا البيان لمن عرف وفقه وفهم، وهم المؤمنون لا غير. والثالث: أنه تعالى ختم الآية السابقة، وهي الآية التي استدل فيها بأحوال النجوم بقوله (يعلمون) وختم آخر هذه الآية بقوله (يفقهون) والفرق أن إنشاء الانس من واحدة، وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا، فكان ذكر الفقه ههنا لأجل أن الفقه يفيد مزيد فطنة وقوة ذكاء وفهم. والله أعلم.