فهو أيضا كثير النفع لأنه يمكن تناوله كما هو، وينفصل أيضا عنه دهن كثير عظيم النفع في الأكل وفي سائر وجوه الاستعمال. وأما الرمان فحاله عجيب جدا، وذلك لأنه جسم مركب من أربعة أقسام: قشره وشحمه وعجمه وماؤه.
أما الأقسام الثلاثة الأول وهي: القشر والشحم والعجم، فكلها باردة يابسة أرضية كثيفة قابضة عفصة قوية في هذه الصفات، وأما ماء الرمان، فبالضد من هذه الصفات. فإنه ألذ الأشربة وألطفها وأقربها إلى الاعتدال وأشدها مناسبة للطباع المعتدلة، وفيه تقوية للمزاج الضعيف، وهو غذاء من وجه ودواء من وجه، فإذا تأملت في الرمان وجدت الأقسام الثلاثة موصوفة بالكثافة التامة الأرضية، ووجدت القسم الرابع وهو ماء الرمان موصوفا باللطافة والاعتدال فكأنه سبحانه جمع فيه بين المتضادين المتغايرين، فكانت دلالة القدرة والرحمة فيه أكمل وأتم.
واعلم أن أنواع النبات أكثر من أن تفي بشرحها مجلدات، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه الأقسام الأربعة التي هي أشرف أنواع النبات، واكتفي بذكرها تنبيها على البواقي، ولما ذكرها قال تعالى: * (مشتبها وغير متشابه) * وفيه مباحث: الأول: في تفسير * (مشتبها) * وجوه: الأول: أن هذه الفواكه قد تكون متشابهة في اللون والشكل، مع أنها تكون مختلفة في الطعم واللذة، وقد تكون مختلفة في اللون والشكل، مع أنها تكون متشابهة في الطعم واللذة، فإن الأعناب والرمان قد تكون متشابهة في الصورة واللون والشكل. ثم إنها تكون مختلفة في الحلاوة والحموضة وبالعكس. الثاني: أن أكثر الفواكه يكون ما فيها من القشر والعجم متشابها في الطعم والخاصية. وأما ما فيها من اللحم والرطوبة فإنه يكون مختلفا في الطعم، والثالث: قال قتادة: أوراق الأشجار تكون قريبة من التشابه. أما ثمارها فتكون مختلفة، ومنهم من يقول: الأشجار متشابهة والثمار مختلفة، والرابع: أقول إنك قد تأخذ العنقود من العنب فترى جميع حباته مدركة نضيجة حلوة طيبة إلا حبات مخصوصة منها بقيت على أول حالها من الخضرة والحموضة والعفوصة. وعلى هذا التقدير: فبعض حبات ذلك العنقود متشابهة وبعضها غير متشابه.
والبحث الثاني: يقال: اشتبه الشيئان وتشابها كقولك استويا وتساويا، والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا، وقرئ * (متشابها وغير متشابه) *.
والبحث الثالث: إنما قال مشتبها ولم يقل مشتبهين إما اكتفاء بوصف أحدهما، أو على تقدير: والزيتون مشتبها وغير متشابه والرمان كذلك كقوله:
رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريا ومن أجل الطوى رماني