إذا عرفت هذا فنقول: من قرأ مستقرأ بفتح القاف جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه والتقدير فلكم مكان استقرار ومكان استيداع ومن قرأ (فمستقر) بالكسر، فالمعنى: منكم مستقر ومنكم مستودع، والتقدير: منكم من استقر ومنكم من استودع. والله أعلم.
(المبحث الثاني) الفرق بني المستقر والمستودع أن المستقر أقرب إلى النبات من المستودع فالشئ الذي حصل في موضع ولا يكون على شرف الزوال يسمى مستقرأ فيه، وأما إذا حصل فيه وكان على شرف الزوال يسمى مستودعا لان المستودع في معرض أن يسترد في كل حين وأوان.
إذا عرفت هذا فنقول: كثر اختلاف المفسرين في تفسير هذين اللفظين على أقوال: فالأول:
وهو المنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام والمستودع الأصلاب قال كريب: كتب جرير إلى ابن عباس يسأله عن هذه الآية فأجاب المستودع الصلب والمستقر الرحم ثم قرأ (ونقر في الأرحام ما نشاء) ومما يدل أيضا على قوة هذا القول أن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب: زمانا طويلا والجنين يبقى في رحم الامام زمانا طويلا، ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى.
(والقول الثاني) أن المستقر صلب الأب والمستودع رحم الام، لان النطفة حصلت في صلب الأب لا من قبل الغير وهي حصلت في رحم الام بفعل الغير، فحصول تلك النطفة في الرحم من قبل الرجل مشبه بالوديعة لان قوله (فمستقر ومستودع) يقتضى كو المستقر متقدما على المستودع وحصول النطفة في صلب الأب مقدم على حصولها في رحم الام، فوجب أن يكون المستقر ما في أصلاب الآباء, المستودع ما في أرحام الأمهات.
(والقول الثالث) وهو قول الحسن المستقر حاله بعد الموت لأنه إن كان سعيدا فقد استقرت تلك السعادة، وإن كان شقيا فقد استقرت تلك الشقاوة ولا تبديل في أحوال الانسان بعد الموت وأما قبل الموت فالأحوال متبدلة. فالكافر قد ينقلب مؤمنا الزنديق قد ينقلب صديقا، فهذه الأحوال لكونها على شرف الزوال والفناء لا يبعد تشبيهها بالوديعة التي تكون مشرفة على الزوال والذهاب.
(والقول الرابع) وهو قول الأصم. إن المستقر من خلق من النفس الأولى ودخل الدنيا واستقر فيها، والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق.
(والقول الخامس) للأصم أيضا المستقر من استقر في قرار الدنيا والمستودع من في القبور حتى يبعث. وعن قتادة على العكس منه فقال مستقر في القبر ومستودع في الدنيا.
(القول السادس) قول أبى مسلم الأصبهاني أن التقدير هو الذي أنشأكم من نفس واحدة