آخر ملاصق له حتى يصل إلى الهواء المحيط بنا هذا هو الوجه الذي عول عليه أبو علي بن الهيثم في تقرير هذا المعنى في كتابه الذي سماه " بالمناظر الكثة ".
والجواب: أن هذا العذر باطل من وجهين: الأول: أن الهواء جرم شفاف عديم اللون، وما كان كذلك فإنه لا يقبل النور، واللون في ذاته وجوهره، وهذا متفق عليه بين الفلاسفة. واحتجوا عليه بأنه لو استقر النور على سطحه لوقف البصر على سطحه. ولو كان كذلك لما نفذ البصر فيما وراءه، ولصار إبصاره مانعا عن إبصار ما وراءه، فحيث لم يكن كذلك علمنا أنه لم يقبل اللون والنور في ذاته وجوهره، وما كان كذلك امتنع أن ينعكس النور منه إلى غيره، فامتنع أن يصير ضوءه سببا لضوء هواء آخر مقابل له.
فإن قالوا: لم لا يجوز أن يقال: إنه حصل في الأفق أجزاء كثيفة من الأبخرة والأدخنة وهي لكثافتها تقبل النور عن قرص الشمس. ثم إن بحصول الضوء فيها يصير سببا لحصول الضوء في الهواء المقابل لها، فنقول: لو كان السبب ما ذكرتم لكان كلما كانت الأبخرة والأدخنة في الأفق أكثر، وجب أن يكون ضوء الصباح أقوى لكنه ليس الأمر كذلك، بل على العكس منه فبطل هذا العذر.
الوجه الثاني: في إبطال هذا الكلام الذي ذكره ابن الهيثم أن الدائرة التي هي دائرة الأفق لنا، فهي بعينها دائرة نصف النهار لقوم آخرين، فإذا كان كذلك، فالدائرة التي هي نصف النهار في بلدنا، وجب كونها دائرة الأفق لأولئك الأقوام.
إذا ثبت هذا فنقول: إذا وصل مركز الشمس إلى دائرة نصف الليل وتجاوز عنها، فالشمس قد طلعت على أولئك الأقوام، واستنار نصف العام هناك، والربع من الفلك الذي هو ربع شرقي لأهل بلدنا فهو بعينه ربع غربي بالنسبة إلى تلك البلدة وإذا كان كذلك فالشمس إذا تجاوز مركزها عن دائرة نصف الليل قد صار جرمها محاذيا لهواء الربع الشرقي لأهل بلدنا. فلو كان الهواء يقبل كيفية النور من الشمس لوجب أن يحصل الضوء والنور في هواء الربع الشرقي من بلدنا بعد نصف الليل. وأن يصير هواء الربع الشرقي في غاية الإضاءة والإنارة بعد نصف الليل، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن الهواء لا يقبل كيفية النور في ذاته. وإذا بطل هذا بطل العذر الذي ذكره ابن الهيثم فقد ذكرنا برهانين دقيقين عقليين محضين على أن خالق الضوء والظلمة هو الله تعالى لا قرص الشمس والله أعلم.
والوجه الثالث: هب أن النور الحاصل في العالم إنما كان بتأثير الشمس. إلا أنا نقول: