الوجه الأول: وهو الذي ذكره الجبائي قال: إن هذا الكلام خرج مخرج الأمر ومعناه الزجر، كقوله تعالى: * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب) * وكذلك قوله: * (وليرضوه وليقترفوا) * (الأنعام: 113) وتقدير الكلام كأنه قال للرسول: فذرهم وما يفترون ثم قال لهم على سبيل التهديد ولتصغى إليه أفئدتهم وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون.
والوجه الثاني: وهو الذي اختاره الكعبي أن هذه اللام لام العاقبة أي ستؤول عاقبة أمرهم إلى هذه الأحوال. قال القاضي: ويبعد أن يقال: هذه العاقبة تحصل في الآخرة، لأن الإلجاء حاصل في الآخرة، فلا يجوز أن تميل قلوب الكفار إلى قبول المذهب الباطل، ولا أن يرضوه ولا أن يقترفوا الذنب، بل يجب أن تحمل على أن عاقبة أمرهم تؤل إلى أن يقبلوا الأباطيل ويرضوا بها ويعملوا بها.
والوجه الثالث: وهو الذي اختاره أبو مسلم. قال: " اللام " في قوله: * (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) * متعلق بقوله: * (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) * والتقدير أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول ليغروا بذلك * (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا) * الذنوب ويكون المراد أن مقصود الشياطين من ذلك الإيحاء هو مجموع هذه المعاني. فهذا جملة ما ذكروه في هذا الباب. أما الوجه الأول: وهو الذي عول عليه الجبائي فضعيف من وجوه ذكرها القاضي. فأحدها: أن " الواو " في قوله: * (ولتصغى) * تقتضي تعلقه بما قبله فحمله على الابتداء بعيد. وثانيها: أن " اللام " في قوله: * (ولتصغى) * لام كي فيبعد أن يقال: إنها لام الأمر ويقرب ذلك من أن يكون تحريفا لكلام الله تعالى وأن لا يجوز.
وأما الوجه الثاني: وهو أن يقال: هذه اللام لام العاقبة فهو ضعيف، لأنهم أجمعوا على أن هذا مجاز وحمله على " كي " حقيقة فكان قولنا أولى.
وأما الوجه الثالث: وهو الذي ذكره أبو مسلم فهو أحسن الوجوه المذكورة في هذا الباب: لأنا نقول: إن قوله: * (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) * يقتضي أن يكون الغرض من ذلك الإيحاء هو التغرير. وإذا عطفنا عليه قوله: * (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون) * فهذا أيضا عين التغرير لا معنى التغرير، إلا أنه يستميله إلى ما يكون باطنه قبيحا. وظاهره حسنا، وقوله: * (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون) * عين هذه الاستمالة فلو عطفنا لزم أن يكون المعطوف عين المعطوف عليه وأنه لا يجوز، أما إذا قلنا: تقدير الكلام وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من شأنه أن يوحي