يشهدوا بأنك رسول الله أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم أحق ما تقوله أم باطل؟ أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا أي كفيلا على ما تدعيه، فنزلت هذه الآية، وقد ذكرنا مرارا أنهم لما اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة كان القول بأن هذه الآية نزلت في الواقعة الفلانية مشكلا صعبا، فأما على الوجه الذي قررناه وهو أن المقصود منه جواب ما ذكره بعضهم وهو أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم لو جاءتهم آية لآمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فذكر الله تعالى هذا الكلام بيانا لكذبهم، وأنه لا فائدة في إنزال الآيات بعد الآيات وإظهار المعجزات بعد المعجزات، بل المعجزة الواحدة لا بد منها ليتميز الصادق عن الكاذب، فأما الزيادة عليها فتحكم محض ولا حاجة إليه وإلا فلهم أن يطلبوا بعد ظهور المعجزة الثانية ثالثة، وبعد الثالثة رابعة، ويلزم أن لا تستقر الحجة وأن لا ينتهي الأمر إلى مقطع ومفصل، وذلك يوجب سد باب النبوات.
المسألة الثانية: قرأ نافع وابن عامر * (قبلا) * ههنا وفي الكهف بكسر القاف وفتح الباء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالضم فيهما في السورتين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ههنا وفي الكهف بالكسر، قال الواحدي: قال أبو زيد يقال لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبيلا كله واحد. وهو المواجهة. قال الواحدي: فعلى قول أبي زيد المعنى في القراءتين واحد وإن اختلف اللفظان، ومن الناس من أثبت بين اللفظين تفاوتا في المعنى، فقال أما من قرأ * (قبلا) * بكسر القاف وفتح الباء، فقال أبو عبيدة والفراء والزجاج: معناه عيانا، يقال لقيته قبلا أي معاينة، وروي عن أبي ذر قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أكان آدم نبيا؟ قال: " نعم كان نبيا كلمه الله تعالى قبلا " وأما من قرأ * (قبلا) * فله ثلاثة أوجه. أحدها: أن يكون جمع قبيل الذي يراد به الكفيل، يقال قبلت بالرجل أقبل قبالة أي كلفت به. ويكون المعنى لو حشر عليهم كل شيء وكفلوا بصحة ما يقول لما آمنوا، وموضع الإعجاز فيه أن الأشياء المحشورة منها ما ينطق ومنها ما لا ينطق، فإذا أنطق الله الكل وأطبقوا على قبول هذه الكفالة كان ذلك من أعظم المعجزات. وثانيها: أن يكون * (قبلا) * جمع قبيل بمعنى الصنف والمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا، وموضع الإعجاز فيه هو حشرها بعد موتها، ثم إنها على اختلاف طبائعها تكون مجتمعة في موقف واحد. وثالثها: أن يكون * (قبلا) * بمعنى قبلا أي مواجهة ومعاينة كما فسره أبو زيد.
أما قوله تعالى: * (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد من الآية أنه تعالى لو أظهر جميع تلك الأشياء العجيبة الغريبة لهؤلاء الكفار فإنهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله إيمانهم. قال أصحابنا: فلما لم يؤمنوا دل ذلك الدليل على