قال صاحب " الكشاف " ويقوي هذا الوجه قراءة أبي * (لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون) *.
الوجه الثاني: في هذه القراءة أن تجعل * (لا) * صلة ومثله * (ما منعك ألا تسجد) * (الأعراف: 12) معناه أن تسجد وكذلك قوله: * (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) * (الأنبياء: 95) أي يرجعون فكذا ههنا التقدير وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون والمعنى: أنها لو جاءت لم يؤمنوا قال الزجاج، وهذا الوجه ضعيف لأن ما كان لغوا يكون لغوا على جميع التقديرات ومن قرأ * (إنها) * بالكسر فكلمة * (لا) * في هذه القراءة ليست بلغو فثبت أنه لا يجوز جعل هذا اللفظ لغوا. قال أبو علي الفارسي: لم لا يجوز أن يكون لغوا على أحد التقديرين ويكون مفيدا على التقدير الثاني؟ واختلف القراء أيضا في قوله: * (لا يؤمنون) * فقرأ بعضهم بالياء وهو الوجه لأن قوله: * (وأقسموا بالله) * إنما يراد به قوم مخصوصون، والدليل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية: * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة) * وليس كل الناس بهذا الوصف، والمعنى وما يشعركم أيها المؤمنون لعلهم إذا جاءتهم الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا فالوجه الياء وقرأ حمزة وابن عامر بالتاء وهو على الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين في * (تؤمنون) * هم الغائبون المقسمون الذين أخبر الله عنهم أنهم لا يؤمنون، وذهب مجاهد وابن زيد إلى أن الخطاب في قوله: * (وما يشعركم) * للكفار الذين أقسموا. قال مجاهد: وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت، وهذا يقوي قراءة من قرأ * (تؤمنون) * بالتاء. على ما ذكرنا أولا: الخطاب في قوله: * (وما يشعركم) * للكفار الذين أقسموا. وعلى ما ذكرنا ثانيا: الخطاب في قوله: * (وما يشعركم) * للمؤمنين، وذلك لأنهم تمنوا نزول الآية ليؤمن المشركون وهو الوجه كأنه قيل للمؤمنين تتمنون ذلك وما يدريكم أنهم يؤمنون؟
المسألة الرابعة: حاصل الكلام أن القوم طلبوا من الرسول معجزات قوية وحلفوا أنها لو ظهرت لآمنوا، فبين الله تعالى أنهم وإن حلفوا على ذلك، إلا أنه تعالى عالم بأنها لو ظهرت لم يؤمنوا، وإذا كان الأمر كذلك لم يجب في الحكمة إجابتهم إلى هذا المطلوب. قال الجبائي والقاضي: هذه الآية تدل على أحكام كثيرة متعلقة بنصرة الاعتزال. الحكم الأول أنها تدل على أنه لو كان في المعلوم لطف يؤمنون عنده لفعله لا محالة، إذ لو جاز أن لا يفعله لم يكن لهذا الجواب فائدة، لأنه إذا كان تعالى لا يجيبهم إلى مطلوبهم سواء آمنوا أو لم يؤمنوا لم يكن تعليق ترك الإجابة بأنهم لا يؤمنون عنده منتظما مستقيما، فهذه الآية تدل على أنه تعالى يجب عليه أن يفعل كل ما هو في مقدوره من الألطاف والحكمة.