أنك يا محمد جئتنا بمعجزة قاهرة وبينة ظاهرة لآمنا بك، وحلفوا على ذلك وبالغوا في تأكيد ذلك الحلف، فالمقصود من هذه الآية تقرير هذه الشبهة. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: إنما سمى اليمين بالقسم لأن اليمين موضوعة لتوكيد الخبر الذي يخبر به الإنسان: إما مثبتا للشيء، وإما نافيا. ولما كان الخبر يدخله الصدق والكذب احتاج المخبر إلى طريق به يتوسل إلى ترجيح جانب الصدق على جانب الكذب، وذلك هو الحلف ولما كانت الحاجة إلى ذكر الحلف، إنما تحصل عند انقسام الناس عند سماع ذلك الخبر إلى مصدق به ومكذب به. سموا الحلف بالقسم، وبنوا تلك الصيغة على - أفعل - فقالوا: أقسم فلان يقسم إقساما: وأرادوا أنه أكد القسم الذي اختاره وأحال الصدق إلى القسم الذي اختاره بواسطة الحلف واليمين.
المسألة الثانية: ذكروا في سبب النزول وجوها: الأول: قالوا لما نزل قوله تعالى: * (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) * (الشعراء: 4) أقسم المشركون بالله لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها فنزلت هذه الآية. الثاني: قال محمد بن كعب القرظي: إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تخبرنا أن موسى ضرب الحجر بالعصا فانفجر الماء، وأن عيسى أحيا الميت، وأن صالحا أخرج الناقة من الجبل، فأتنا أيضا أنت بآية لنصدقك فقال عليه الصلاة والسلام: " ما الذي تحبون " فقالوا: أن تجعل لنا الصفا ذهبا، وحلفوا لئن فعل ليتبعونه أجمعون، فقام عليه الصلاة والسلام يدعو، فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إن شئت كان ذلك، ولئن كان فلم يصدقوا عنده، ليعذبنهم، وإن تركوا تاب على بعضهم. فقال صلى الله عليه وسلم: " بل يتوب على بعضهم " فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المسألة الثالثة: ذكروا في تفسير قوله: * (جهد أيمانهم) * وجوها: قال الكلبي ومقاتل: إذا حلف الرجل بالله فهو جهد يمينه. وقال الزجاج: بالغوا في الأيمان وقوله: * (لئن جاءتهم آية) * اختلفوا في المراد بهذه الآية. فقيل: ما روينا من جعل الصفا ذهبا، وقيل: هي الأشياء المذكورة في قوله تعالى: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (الإسراء: 90) وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم بأن عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم المتقدمين الذين كذبوا أنبياءهم فالمشركون طلبوا مثلها.
وقوله: * (قل إنما الآيات عند الله) * ذكروا في تفسير لفظة * (عند) * وجوها، فيحتمل أن يكون المعنى أنه تعالى هو المختص بالقدرة على أمثال هذه الآيات دون غيره لأن المعجزات الدالة على النبوات شرطها أن لا يقدر على تحصيلها أحد إلا الله سبحانه وتعالى؛ ويحتمل أن يكون المراد