والمراد بذات الصدور الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فيه وهي لكونها حالة في القلب منتسبة إليه فكانت ذات الصدور، والمعنى أنه تعالى عالم بكل ما حصل في قلوبكم من الخواطر والبواعث والصوارف.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف " يحتمل أن تكون هذه الآية داخلة في جملة المقول وأن لا تكون أما الأول: فالتقدير: أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا إذا خلوا وقل لهم: إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم، وهو مضمرات الصدور، فلا تظنوا أن شيئا من أسراركم يخفى عليه أما الثاني: وهو أن لا يكون داخلا في المقول فمعناه: قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من اطلاعي إياك على ما يسرون، فإني أعلم ما هو أخفى من ذلك، وهو ما أضمروه في صدورهم ولم يظهروه بألسنتهم ويجوز أن لا يكون، ثم قول وأن يكون قوله * (قل موتوا بغيظكم) * أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله إياه أنهم يهلكون غيظا بإعزاز الإسلام وإذلالهم به، كأنه قيل: حدث نفسك بذلك والله تعالى أعلم.
قوله تعالى * (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط) *.
واعلم أن هذه الآية من تمام وصف المنافقين، فبين تعالى أنهم مع ما لهم من الصفات الذميمة والأفعال القبيحة مترقبون نزول نوع من المحنة والبلاء بالمؤمنين، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: المس أصله باليد ثم يسمى كل ما يصل إلى الشيء (ماسا) على سبيل التشبيه فيقال: فلان مسه التعب والنصب، قال تعالى: * (وما مسنا من لغوب) * (ق: 38) وقال: * (وإذا مسكم الضر في البحر) * (الإسراء: 67) قال صاحب " الكشاف ": المس ههنا بمعنى الإصابة، قال تعالى: * (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة) * (التوبة: 50) وقوله * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * (النساء: 79) وقال: * (إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) * (المعارج: 20، 21).
المسألة الثانية: المراد من الحسنة ههنا منفعة الدنيا على اختلاف أحوالها، فمنها صحة البدن وحصول الخصب والفوز بالغنيمة والاستيلاء على الأعداء وحصول المحبة والألفة بين الأحباب