فالجواب: إنه تقريب حسن، ولكنه لا يوجب أن لا يكون الأمر كذلك، بل الله تعالى قد يزيد وقد ينقص في العدد بحسب ما يريد.
وأما الحجة الثالثة: وهي التمسك بقوله * (ويأتوكم من فورهم) * (آل عمران: 125).
فالجواب عنه: أن المشركين لما سمعوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تعرضوا للعير ثار الغضب في قلوبهم واجتمعوا وقصدوا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الصحابة لما سمعوا ذلك خافوا فأخبرهم الله تعالى: أنهم إن يأتوكم من فورهم يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة فهذا حاصل ما قيل في تقرير هذين القولين، والله أعلم بمراده.
المسألة الثانية: اختلفوا في عدد الملائكة، وضبط الأقوال فيها أن من الناس من ضم العدد الناقص إلى العدد الزائد، فقالوا: لأن الوعد بإمداد الثلاثة لا شرط فيه، والوعد بإمداد الخمسة مشروط بالصبر والتقوى ومجئ الكفار من فورهم، فلا بد من التغاير وهو ضعيف، لأنه لا يلزم من كون الخمسة مشروطة بشرط أن تكون الثلاثة التي جزؤها مشروطة بذلك الشرط ومنهم من أدخل العدد الناقص في العدد الزائد، أما على تقدير الأول: فإن حملنا الآية على قصة بدر كان عدد الملائكة تسعة آلاف لأنه تعالى ذكر الألف، وذكر ثلاثة آلاف، وذكر خمسة آلاف، والمجموع تسعة آلاف، وإن حملناها على قصة أحد، فليس فيها ذكر الألف، بل فيها ذكر ثلاثة آلاف، وخمسة آلاف، والمجموع: ثمانية آلاف، وأما على التقدير الثاني: وهو إدخال الناقص في الزائد فقالوا: عدد الملائكة خمسة آلاف، ثم ضم إليها ألفان آخران، فلا جرم وعدوا بالألف ثم ضم إليه ألفان فلا جرم وعدوا بثلاثة آلاف، ثم ضم إليها ألفان آخران فلام جر وعدوا بخمسة آلاف، وقد حكينا عن بعضهم أنه قال أمد أهل بدر بألف فقيل: إن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: ألن يكفيكم يعني بتقدير أن يجيء المشركين مدد فالله تعالى يمدكم أيضا بثلاثة آلاف وخمسة آلاف، ثم إن المشركين ما جاءهم المدد، فكذا ههنا الزائد على الألف ما جاء المسلمين فهذه وجوه كلها محتملة والله أعلم بمراده.
المسألة الثالثة: أجمع أهل التفسير والسير أن الله تعالى أنزل الملائكة يوم بدر وأنهم قاتلوا الكفار، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تقاتل الملائكة سوى يوم بدر وفيما سواه كانوا عددا ومددا لا يقاتلون ولا يضربون، وهذا قول الأكثرين، وأما أبو بكر الأصم، فإنه أنكر ذلك أشد الإنكار، واحتج عليه بوجوه:
الحجة الأولى: إن الملك الواحد يكفي في إهلاك الأرض، ومن المشهور أن جبريل عليه