قوله تعالى * (هآ أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) *.
واعلم أن هذا نوع آخر من تحذير المؤمنين عن مخالطة المنافقين، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال السيد السرخسي سلمه الله * (ها) * للتنبيه و * (أنتم) * مبتدأ و * (أولاء) * خبره و * (تحبونهم) * في موضع النصب على الحال من اسم الإشارة، ويجوز أن تكون * (أولاء) * بمعنى الذين و * (تحبونهم) * صلة له، والموصول مع الصلة خبر * (أنتم) * وقال الفراء * (أولاء) * خبر و * (تحبونهم) * خبر بعد خبر.
المسألة الثانية: أنه تعالى ذكر في هذه الآية أمورا ثلاثة، كل واحد منها على أن المؤمن لا يجوز أن يتخذ غير المؤمن بطانة لنفسه فالأول: قوله * (تحبونهم ولا يحبونكم) * وفيه وجوه: أحدها: قال المفضل * (تحبونهم) * تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء * (ولا يحبونكم) * لأنهم يريدون بقاءكم على الكفر، ولا شك أنه يوجب الهلاك الثاني: * (تحبونهم) * بسبب ما بينكم وبينهم من الرضاعة والمصاهرة * (ولا يحبونكم) * بسبب كونكم مسلمين الثالث: * (تحبونهم) * بسبب أنهم أظهروا لكم الإيمان * (ولا يحبونكم) * بسبب أن الكفر مستقر في باطنهم الرابع: قال أبو بكر الأصم * (تحبونهم) * بمعنى أنكم لا تريدون إلقاءهم في الآفات والمحن * (ولا يحبونكم) * بمعنى أنهم يريدون إلقاءكم في الآفات والمحن ويتربصون بكم الدوائر الخامس: * (تحبونهم) * بسبب أنهم يظهرون لكم محبة الرسول ومحب المحبوب محبوب * (ولا يحبونكم) * لأنهم يعلمون أنكم تحبون الرسول وهم يبغضون الرسول ومحب المبغوض مبغوض السادس: * (تحبونهم) * أي تخالطونهم، وتفشون إليهم أسراركم في أمور دينكم * (ولا يحبونكم) * أي لا يفعلون مثل ذلك بكم.
واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها إشارة إلى الأسباب الموجبة لكون المؤمنين يحبونهم ولكونهم يبغضون المؤمنين، فالكل داخل تحت الآية، ولما عرفهم تعالى كونهم مبغضين للمؤمنين