هذا صفة أيضا لوجب إدخال حرف العطف بينهما.
المسألة الخامسة: الفرق بين قوله * (لا يألونكم خبالا) * وبين قوله * (ودوا ما عنتم) * في المعنى من وجوه الأول: لا يقصرون في إفساد دينكم، فإن عجزوا عنه ودوا إلقاءكم في أشد أنواع الضرر الثاني: لا يقصرون في إفساد أموركم في الدنيا، فإذا عجزوا عنه لم يزل عن قلوبهم حب إعناتكم والثالث: لا يقصرون في إفساد أموركم، فإن لم يفعلوا ذلك لمانع من خارج، فحب ذلك غير زائل عن قلوبهم وثالثها: قوله تعالى: * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: البغضاء أشد البغض، فالبغض مع البغضاء كالضر مع الضراء.
المسألة الثانية: الأفواه جمع الفم والفم أصله فوه بدليل أن جمعه أفواه، يقال: فوه وأفواه كسوط وأسواط، وطوق وأطواق، ويقال رجل مفوه إذا أجاد القول، وأفوه إذا كان واسع الفهم، فثبت أن أصل الفم فوه بوزن سوط، ثم حذفت الهاء تخفيفا ثم أقيم الميم مقام الواو لأنهما حرفان شفويان.
المسألة الثالثة: قوله * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * إن حملناه على المنافقين ففي تفسيره وجهان الأول: أنه لا بد في المنافق من أن يجري في كلامه ما يدل على نفاقه ومفارقة لطريق المخالصة في الود والنصيحة، ونظيره قوله تعالى: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * (محمد: 30) الثاني: قال قتادة: قد بدت البغضاء لأوليائهم من المنافقين والكفار لاطلاع بعضهم بعضا على ذلك، أما إن حملناه على اليهود فتفسير قوله * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * فهو أنهم يظهرون تكذيب نبيكم وكتابكم وينسبونكم إلى الجهل والحمق، ومن اعتقد في غيره الإصرار على الجهل والحمق امتنع أن يحبه، بل لا بد وأن يبغضه، فهذا هو المراد بقوله * (قد بدت البغضاء من أفواههم) *.
ثم قال تعالى: * (وما تخفي صدورهم أكبر) * يعني الذي يظهر على لسان المنافق من علامات البغضاء أقل مما في قلبه من النفرة، والذي يظهر من علامات الحقد على لسانه أقل مما في قلبه من الحقد، ثم بين تعالى أن إظهار هذه الأسرار للمؤمنين من نعمه عليهم، فقال: * (قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) * أي من أهل العقل والفهم والدراية، وقيل: * (إن كنتم تعقلون) * الفصل بين ما يستحقه العدو والولي، والمقصود بعثهم على استعمال العقل في تأمل هذه الآية وتدبر هذه البينات، والله أعلم.