في الحمل على الصدق، بلى من أنكر دلالة أصل المعجز على صدق المدعي، وهم البراهمة، فإنه لا يكفيه ظهور هذه الآيات، أما من آمن بدلالة المعجز على الصدق لا يبقى له في هذه المعجزات كلام البتة.
قوله تعالى * (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بأية من ربكم فا تقوا الله وأطيعون * إن الله ربى وربكم فا عبدوه هذا صراط مستقيم) *.
اعلم أنه عليه السلام لما بين بهذه المعجزات الباهرة كونه رسولا من عند الله تعالى، بين بعد ذلك أنه بماذا أرسل وهو أمران أحدهما: قوله * (ومصدقا لما بين يدي من التوراة) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قد ذكرنا في قوله * (ورسولا إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بآية) * (آل عمران: 49) أن تقديره وأبعثه رسولا إلى بني إسرائيل قائلا * (أني قد جئتكم بآية) * فقوله * (ومصدقا) * معطوف عليه والتقدير: وأبعثه رسولا إلى بني إسرائيل قائلا * (أنى قد جئتكم بآية) *، وإني بعثت * (مصدقا لما بين يدي من التوراة) * وإنما حسن حذف هذه الألفاظ لدلالة الكلام عليها. المسألة الثانية: إنه يجب على كل نبي أن يكون مصدقا لجميع الأنبياء عليهم السلام، لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجزة، فكل من حصل له المعجز، وجب الاعتراف بنبوته، فلهذا قلنا: بأن عيسى عليه السلام يجب أن يكون مصدقا لموسى بالتوراة، ولعل من جملة الأغراض في بعثة عيسى عليه السلام إليهم تقرير التوراة وإزالة شبهات المنكرين وتحريفات الجاهلين.
وأما المقصود الثاني: من بعثة عيسى عليه السلام قوله * (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) *.
وفيه سؤال: وهو أنه يقال: هذه الآية الأخيرة مناقضة لما قبلها لأن هذه الآية الأخيرة صريحة في أنه جاء ليحل بعد الذي كان محرما عليه في التوراة، وهذا يقتضي أن يكون حكمه بخلاف حكم التوراة، وهذا يناقض قوله * (ومصدقا لما بين يدي من التوراة) *.
والجواب: إنه لا تناقض بين الكلام، وذلك لأن التصديق بالتوراة لا معنى له إلا اعتقاد أن كل ما فيها فهو حق وصواب، وإذا لم يكن الثاني مذكورا في التوراة لم يكن حكم عيسى