المسألة الثانية: في قوله * (وسبح) * قولان أحدهما: المراد منه: وصل لأن الصلاة تسمى تسبيحا قال الله تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون) * وأيضا الصلاة مشتملة على التسبيح، فجاز تسمية الصلاة بالتسبيح، وههنا الدليل دل على وقوع هذا المحتمل وهو من وجهين الأول: أنا لو حملناه على التسبيح والتهليل لم يبق بين هذه الآية وبين ما قبلها وهو قوله * (واذكر ربك) * فرق، وحينئذ يبطل لأن عطف الشيء على نفسه غير جائز والثاني: وهو أنه شديد الموافقة لقوله تعالى: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * وثانيهما: أن قوله * (واذكر ربك) * محمول على الذكر باللسان.
القصة الثالثة وصفه طهارة مريم صلوات الله عليها قوله تعالى * (وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسآء العالمين * يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: عامل الإعراب ههنا في * (إذ) * هو ما ذكرناه في قوله * (إذ قالت امرأة عمران) * (آل عمران: 35) من قوله * (سميع عليم) * ثم عطف عليه * (إذ قالت الملائكة) * وقيل: تقديره واذكر إذ قالت الملائكة.
المسألة الثانية: قالوا المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده، وهذا كقوله * (ينزل الملائكة بالروح من أمره) * (النحل: 2) يعني جبريل، وهذا وإن كان عدولا عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه، لأن سورة مريم دلت على أن المتكلم مع مريم عليها السلام هو جبريل عليه السلام، وهو قوله * (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) * (مريم: 17). المسألة الثالثة: اعلم أن مريم عليها السلام ما كانت من الأنبياء لقوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) * (يوسف: 109) وإذا كان كذلك كان إرسال جبريل عليه السلام إليها إما أن يكون كرامة لها، وهو مذهب من يجوز كرامات الأولياء، أو إرهاصا لعيسى عليه السلام، وذلك جائز عندنا، وعند الكعبي من المعتزلة، أو معجزة لزكريا عليه السلام، وهو قول جمهور المعتزلة، ومن الناس من قال: إن ذلك كان على سبيل النفث في الروع والإلهام والإلقاء في القلب، كما كان في حق أم موسى عليه السلام في قوله * (وأوحينا إلى أم موسى) * (القصص: 7).
المسألة الرابعة: اعلم أن المذكور في هذه الآية أولا: هو الاصطفاء، وثانيا: التطهير، وثالثا: الاصطفاء على نساء العالمين، ولا يجوز أن يكون الاصطفاء أولا من الاصطفاء الثاني، لما أن التصريح