والتقوى فيفعل بكم ما أنتم أهله.
المسألة الثانية: إطلاق لفظ المحيط على الله مجاز، لأن المحيط بالشيء هو الذي يحيط به من كل جوانبه، وذلك من صفات الأجسام، لكنه تعالى لما كان عالما بكل الأشياء قادرا على كل الممكنات، جاز في مجاز اللغة أنه محيط بها، ومنه قوله * (والله من ورائهم محيط) * (البروج: 20) وقال: * (والله محيط بالكافرين) * (البقرة: 19) وقال: * (ولا يحيطون به علما) * (طه: 11) وقال: * (وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا) * (الجن: 28).
المسألة الثالثة: إنما قال: * (إن الله بما يعملون محيط) * ولم يقل إن الله محيط بما يعملون لأنهم يقدمون الأهم والذي هم بشأنه، أعني وليس المقصود ههنا بيان كونه تعالى عالما، بينا أن جميع أعمالهم معلومة لله تعالى ومجازيهم عليها فلا جرم قد ذكر العمل والله أعلم.
قوله تعالى * (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * إذ همت طآئفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *.
اعلم أنه تعالى لما قال: * (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) * (آل عمران: 120) أتبعه بما يدلهم على سنة الله تعالى فيهم في باب النصرة والمعونة ودفع مضار العدو إذا هم صبروا واتقوا، وخلاف ذلك فيهم إذا لم يصبروا فقال: * (وإذ غدوت من أهلك) * يعني أنهم يوم أحد كانوا كثيرين للقتال، فلما خالفوا أمر الرسول انهزموا، ويوم بدر كانوا قليلين غير مستعدين للقتال فلما أطاعوا أمر الرسول غلبوا واستولوا على خصومهم، وذلك يؤكد قولنا، وفيه وجه آخر وهو أن الانكسار يوم أحد إنما حصل بسبب تخلف عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، وذلك يدل على أنه لا يجوز اتخاذ هؤلاء المنافقين بطانة وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله * (وإذ غدوت من أهلك) * فيه ثلاثة أوجه الأول: تقديره واذكر إذ غدوت والثاني: قال أبو مسلم: هذا كلام معطوف بالواو على قوله * (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) * (آل عمران: 13) يقول: قد كان لكم في نصر الله تلك الطائفة القليلة من المؤمنين على الطائفة الكثيرة من الكافرين موضع اعتبار لتعرفوا به أن الله ناصر المؤمنين، وكان