* (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * (النحل: 125) ويدل عليه قول مرة بن شراحيل: كان علقمة من الربانيين الذين يعلمون الناس القرآن.
المسألة الثانية: نقل ابن جني في " المحتسب "، عن أبي حياة أنه قرأ * (تدرسون) * بضم التاء ساكنة الدال مكسورة الراء، قال ابن جني: ينبغي أن يكون هذا منقولا من درس هو، أو درس غيره، وكذلك قرأ وأقرأ غيره، وأكثر العرب على درس ودرس، وعليه جاء المصدر على التدريس.
المسألة الثالثة: (ما) في القراءتين، هي التي بمعنى المصدر مع الفعل، والتقدير: كونوا ربانيين بسبب كونكم عالمين ومعلمين وبسبب دراستكم الكتاب، ومثل هذا من كون (ما) مع الفعل بمعنى المصدر قوله تعالى: * (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) * (الأعراف: 5) وحاصل الكلام أن العلم والتعليم والدراسة توجب على صاحبها كونه ربانيا والسبب لا محالة مغاير للمسبب، فهذا يقتضي أن يكون كونه ربانيا، أمرا مغايرا لكونه عالما، ومعلما، ومواظبا على الدراسة، وما ذاك إلا أن يكون بحيث يكون تعلمه لله، وتعليمه ودراسته لله، وبالجملة أن يكون الداعي له إلى جميع الأفعال طلب مرضاة الله، والصارف له عن كل الأفعال الهرب عن عقاب الله، وإذا ثبت أن الرسول يأمر جميع الخلق بهذا المعنى ثبت أنه يمتنع منه أن يأمر الخلق بعبادته، وحاصل الحرف شيء واحد، وهو أن الرسول هو الذي يكون منتهى جهده وجده صرف الأرواح والقلوب عن الخلق إلى الحق، فمثل هذا الإنسان كيف يمكن أن يصرف عقول الخلق عن طاعة الحق إلى طاعة نفسه. وعند هذا يظهر أنه يمتنع في أحد من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يأمر غيره بعبادته.
المسألة الرابعة: دلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا، فمن اشتغل بالتعلم والتعليم لا لهذا المقصود ضاع سعيه وخاب عمله وكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء مونقة بمنظرها ولا منفعة بثمرها ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ".
ثم قال تعالى: * (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة وابن عامر * (ولا يأمركم) * بنصب الراء، والباقون بالرفع أما النصب فوجهه أن يكون عطفا على * (ثم يقول) * وفيه وجهان أحدهما: أن تجعل * (لا) * مزيدة والمعنى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس كونوا عبادا