التأويل، قوله تعالى فيما قبل هذه الآية * (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) * (آل عمران: 70) فذمهم على الكفر بعد وضوح الآيات، وقال للمؤمنين * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) * (آل عمران: 105).
ثم قال ههنا * (أكفرتم بعد إيمانكم) * فكان ذلك محمولا على ما ذكرناه حتى تصير هذه الآية مقررة لما قبلها، وعلى هذين الوجهين تكون الآية عامة في حق كل الكفار، وأما الذين خصصوا هذه الآية ببعض الكفار فلهم وجوه الأول: قال عكرمة والأصم والزجاج المراد أهل الكتاب فإنهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين به، فلما بعث صلى الله عليه وسلم كفروا به الثاني: قال قتادة: المراد الذين كفروا بعد الإيمان بسبب الارتداد الثالث: قال الحسن: الذين كفروا بعد الإيمان بالنفاق الرابع: قيل هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة الخامس: قيل هم الخوارج، فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيهم: " إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " وهذان الوجهان الأخيران في غاية البعد لأنهما لا يليقان بما قبل هذه الآية، ولأنه تخصيص لغير دليل، ولأن الخروج على الإمام لا يوجب الكفر البتة.
السؤال الرابع: ما الفائدة في همزة الاستفهام في قوله * (أكفرتم) *؟.
الجواب: هذا استفهام بمعنى الإنكار، وهو مؤكد لما ذكر قبل هذه الآية وهو قوله * (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) * (آل عمران: 98، 99).
ثم قال تعالى: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *.
وفيه فوائد الأولى: أنه لو لم يذكر ذلك لكان الوعيد مختصا بمن كفر بعد إيمانه، فلما ذكر هذا ثبت الوعيد لمن كفر بعد إيمانه ولمن كان كافرا أصليا الثانية: قال القاضي قوله * (أكفرتم بعد إيمانكم) * يدل على أن الكفر منه لا من الله وكذا قوله * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * الثالثة: قالت المرجئة: الآية تدل على أن كل نوع من أنواع العذاب وقع معللا بالكفر، وهذا ينفي حصول العذاب لغير الكافر.
ثم قال تعالى: * (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون) * وفيه سؤالات:
السؤال الأول: ما المراد برحمة الله؟.
الجواب: قال ابن عباس: المراد الجنة، وقال المحققون من أصحابنا: هذا إشارة إلى أن العبد وإن كثرت طاعته فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمة الله، وكيف لا نقول ذلك والعبد ما دامت داعيته إلى الفعل وإلى الترك على السوية يمتنع منه الفعل؟ فإذن ما لم يحصل رجحان داعية الطاعة امتنع