المسألة السادسة: روي أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله أكتب الحج علينا في كل عام، ذكروا ذلك ثلاثا، فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال في الرابعة: " لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ولو لم تقوموا بها لكفرتم ألا فوادعوني ما وادعتكم وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فانتهوا عنه فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم على أنبيائهم "، ثم احتج العلماء بهذا الخبر على أن الأمر لا يفيد التكرار من وجهين الأول: أن الأمر ورد بالحج ولم يفد التكرار والثاني: أن الصحابة استفهموا أنه هل يوجب التكرار أم لا؟ ولو كانت هذه الصيغة تفيد التكرار لما احتاجوا إلى الاستفهام مع كونهم عالمين باللغة.
المسألة السابعة: استطاعة السبيل إلى الشيء عبارة عن إمكان الوصول، قال تعالى: * (فهل إلى خروج من سبيل) * (غافر: 11) وقال: * (هل إلى مرد من سبيل) * (الشورى: 44) وقال: * (ما على المحسنين من سبيل) * (التوبة: 91) فيعتبر في حصول هذا الإمكان صحة البدن، وزوال خوف التلف من السبع أو العدو، وفقدان الطعام والشراب والقدرة على المال الذي يشتري به الزاد والراحلة وأن يقضي جميع الديون ويرد جميع الودائع، وإن وجب عليه الإنفاق على أحد لم يجب عليه الحج إلا إذا ترك من المال ما يكفيهم في المجيء والذهاب وتفاصيل هذا الباب مذكور في كتب الفقهاء والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في هذه الآية قولان:
القول الأول: أنها كلام مستقل بنفسه ووعيد عام في حق كل من كفر بالله ولا تعلق له بما قبله.
القول الثاني: أنه متعلق بما قبله والقائلون بهذا القول منهم من حمله على تارك الحج ومنهم من حمله على من لم يعتقد وجوب الحج، أما الذين حملوه على تارك الحج فقد عولوا فيه على ظاهر الآية فإنه لما تقدم الأمر بالحج ثم أتبعه بقوله * (ومن كفر) * فهم منه أن هذا الكفر ليس إلا ترك ما تقدم الأمر به ثم إنهم أكدوا هذا الوجه بالأخبار، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " وعن أبي أمامة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم تمنعه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان