وتخشى الفقر " والأولى أن يقال: كل ذلك معتبر في باب الفضل وكثرة الثواب. المسألة الرابعة: اختلف المفسرون في أن هذا الانفاق، هل هو الزكاة أو غيرها؟ قال ابن عباس: أراد به الزكاة، يعني حتى تخرجوا زكاة أموالكم، وقال الحسن: كل شيء أنفقه المسلم من ماله طلب به وجه الله فإنه من الذين عنى الله سبحانه بقوله * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * حتى التمرة، والقاضي اختار القول الأول، واحتج عليه بأن هذا الانفاق، وقف الله عليه كون المكلف من الأبرار، والفوز بالجنة، بحيث لو لم يوجد هذا الانفاق، لم يصر العبد بهذه المنزلة، وما ذاك إلا الانفاق الواجب، وأقول: لو خصصنا الآية بغير الزكاة لكان أولى لأن الآية مخصوصة بإيتاء الأحب، والزكاة الواجبة ليس فيها إيتاء الأحب، فإنه لا يجب على المزكي أن يخرج أشرف أمواله وأكرمها، بل الصحيح أن هذه الآية مخصوصة بإيتاء المال على سبيل الندب.
المسألة الخامسة: نقل الواحدي عن مجاهد والكلبي: أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، وهذا في غاية البعد لأن إيجاب الزكاة كيف ينافي الترغيب في بذل المحبوب لوجه الله سبحانه وتعالى.
المسألة السادسة: قال بعضهم كلمة * (من) * في قوله * (مما تحبون) * للتبعيض، وقرأ عبد الله * (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) * وفيه إشارة إلى أن إنفاق الكل لا يجوز ثم قال: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) * (الفرقان: 67) وقال آخرون: إنها للتبيين.
ففيه سؤال:
وهو أن يقال: قيل فإن الله به عليم على جهة جواب الشرط مع أن الله تعالى يعلمه على كل حال.
والجواب: من وجهين الأول: أن فيه معنى الجزاء تقديره: وما تنفقوا من شيء فإن الله به يجازيكم قل أم كثر، لأنه عليم به لا يخفى عليه شيء منه، فجعل كونه عالما بذلك الإنفاق كناية عن إعطاء الثواب، والتعريض في مثل هذا الموضع يكون أبلغ من التصريح والثاني: أنه تعالى يعلم الوجه الذي لأجله يفعلونه ويعلم أن الداعي إليه أهو الإخلاص أم الرياء ويعلم أنكم تنفقون الأحب الأجود، أم الأخس الأرذل.
واعلم أن نظير هذه الآية قوله * (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) * وقوله * (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) * (البقرة: 270) قال صاحب " الكشاف " * (من) * في قوله * (من شيء) * لتبيين ما ينفقونه أي من