وقوله (مقاعد للقتال) أي مواطن ومواضع، وقد اتسعوا في استعمال المقعد والمقام بمعنى المكان، ومنه قوله تعالى (في مقعد صدق) وقال (قبل أن تقوم من مقامك) أي من مجلسك وموضع حكمك وإنما عبر عن الأمكنة ههنا بالمقاعد لوجهين: الأول: وهو أنه عليه السلام أمرهم أن يثبتوا في مقاعدهم وأن لا ينتقلوا عنها، والقاعد في المكان لا ينتقل عنه فسمى تلك الأمكنة بالمقاعد، تنبيها على أنهم مأمورون بأن يثبتوا فيها ولا ينتقلوا عنها البتة. والثاني: أن المقاتلين قد يقعدون في الأمكنة المعينة إلى أن يلاقيهم العدو فيقوموا عند الحاجة إلى المحاربة، فسميت تلك الأمكنة بالمقاعد لهذا الوجه.
(المسألة الخامسة) قوله (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال) يروى أنه عليه السلام غدا من منزل عائشة رضي الله عنها فمشى على رجليه إلى أحد، وهذا قول مجاهد والواقدي، فدل هذا النص على أن عائشة رضي الله عنها كانت أهلا للنبي صلى الله عليه وسلم وقال تعالى (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) فدل هذا النص على أنها كانت مطهرة مبرأة عن كل قبيح، ألا ترى أن ولد نوح لما كان كافرا قال (إنه ليس من أهلك) وكذلك امرأة لوط.
ثم قال تعالى (والله سميع عليم) أ سميع لأقوالكم عليم بضمائركم ونياتكم، فانا ذكرنا أنه عليه السلام شاور أصحابه في ذلك الحرب، فمنهم من قال له: أقم بالمدينة، ومنهم من قال: اخرج إليهم، وكان لكل أحد غرض آخر فيما يقول، فمن موافق، ومن مخالف، فقال تعالى: أنا سميع لما يقولون عليهم بما يضررون.
ثم قال تعالى (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) العامل في قوله ((إذ همت طائفتان منكم) فيه وجوه: الأول: قال الزجاج:
العامل فيه لتبوئة، والمعنى كانت التبوئة في ذلك الوقت، الثاني: العامل فيه قوله (سميع عليم) الثالث:
يجوز أن يكون بدلا من (إذ غدوت) (المسألة الثانية) الطائفتان حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس لما انهزم عبد الله بن أبي همت الطائفتان باتباعه، فعصمهم الله، فثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن العلماء من قال: ان الله تعالى أبهم ذكرهما وستر عليهما، فلا يجوز لنا أن نهتك ذلك الستر (المسألة الثالثة) الفشل، الجبن والخور.
فان قيل: لهم بالشئ هو العزم، فظاهر الآية يدل على أن الطائفتين عزمتا على الفشل والترك وذلك معصية فكيف يليق بهما أن يقال والله وليهما؟