بالرسول صلى الله عليه وسلم، روي أن اليهود بايعوا رجالا في الجاهلية فلما أسلموا طالبوهم بالأموال فقالوا: ليس لكم علينا حق لأنكم تركتم دينكم، وأقول: من المحتمل أنه كان من مذهب اليهود أن من انتقل من دين باطل إلى دين آخر باطل كان في حكم المرتد، فهم وإن اعتقدوا أن العرب كفار إلا أنهم لما اعتقدوا في الإسلام أنه كفر حكموا على العرب الذين أسلموا بالردة.
المسألة الثانية: نفي السبيل المراد منه نفي القدرة على المطالبة والإلزام. قال تعالى: * (ما على المحسنين من سبيل) * (التوبة: 91) وقال: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141) وقال: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) * (الشورى: 41، 42).
المسألة الثالثة: * (الأمي) * منسوب إلى الأم، وسمي النبي صلى الله عليه وسلم أميا قيل لأنه كان لا يكتب وذلك لأن الأم أصل الشيء فمن لا يكتب فقد بقي على أصله في أن لا يكتب، وقيل: نسب إلى مكة وهي أم القرى.
ثم قال تعالى: * (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) * وفيه وجوه الأول: أنهم قالوا: إن جواز الخيانة مع المخالف مذكور في التوراة وكانوا كاذبين في ذلك وعالمين بكونهم كاذبين فيه ومن كان كذلك كانت خيانته أعظم وجرمه أفحش الثاني: أنهم يعلمون كون الخيانة محرمة الثالث: أنهم يعلمون ما على الخائن من الإثم.
ثم قال تعالى: * (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) *. اعلم أن في * (بلى) * وجهين أحدهما: أنه لمجرد نفي ما قبله، وهو قوله * (ليس علينا في الأميين سبيل) * فقال الله تعالى رادا عليهم * (بلى) * عليهم سبيل في ذلك وهذا اختيار الزجاج، قال: وعندي وقف التمام على * (بلى) * وبعده استئناف والثاني: أن كلمة * (بلى) * كلمة تذكر ابتداء لكلام آخر يذكر بعده، وذلك لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح قائم مقام قولهم: نحن أحباء الله تعالى، فذكر الله تعالى أن أهل الوفاء بالعهد والتقى هم الذين يحبهم الله تعالى لا غيرهم، وعلى هذا الوجه فإنه لا يحسن الوقف على * (بلى) * وقوله * (من أوفى بعهده) * مضى الكلام في معنى الوفاء بالعهد والضمير في * (بعهده) * يجوز أن يعود على اسم * (الله) * في قوله * (ويقولون على الله الكذب) * ويجوز أن يعود على * (من) * لأن العهد مصدر فيضاف إلى المفعول وإلى الفاعل وههنا سؤالان:
السؤال الأول: بتقدير * (أن) * يكون الضمير عائدا إلى الفاعل وهو * (من) * فإنه يحتمل أنه لو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانة، فإنهم يكتسبون محبة الله تعالى.