قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون) *.
اعلم أنه تعالى لما حذر المؤمنين من إضلال الكفار ومن تلبيساتهم في الآية الأولى أمر المؤمنين في هذه الآيات بمجامع الطاعات، ومعاقد الخيرات، فأمرهم أولا: بتقوى الله وهو قوله * (اتقوا الله) * وثانيا: بالاعتصام بحبل الله، وهو قوله * (واعتصموا بحبل الله) * وثالثا: بذكر نعم الله وهو قوله * (واذكروا نعمة الله عليكم) * والسبب في هذا الترتيب أن فعل الإنسان لا بد وأن يكون معللا، إما بالرهبة وإما بالرغبة، والرهبة مقدمة على الرغبة، لأن دفع الضرر مقدم على جلب النفع، فقوله * (اتقوا الله حق تقاته) * إشارة إلى التخويف من عقاب الله تعالى، ثم جعله سببا للأمر بالتمسك بدين الله والاعتصام بحبل الله، ثم أردفه بالرغبة، وهي قوله * (واذكروا نعمة الله عليكم) * فكأنه قال: خوف عقاب الله يوجب ذلك، وكثرة نعم الله توجب ذلك فلم تبق جهة من الجهات الموجبة للفعل إلا وهي حاصلة في وجوب انقيادكم لأمر الله ووجوب طاعتكم لحكم الله، فظهر بما ذكرناه أن الأمور الثلاثة المذكورة في هذه الآية مرتبة على أحسن الوجوه، ولنرجع إلى التفسير:
أما قوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال بعضهم هذه الآية منسوخة وذلك لما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين لأن حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى طرفة عين، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، والعباد لا طاقة لهم بذلك، فأنزل الله