الكلام في هذا الباب وبالله التوفيق.
ثم قال تعالى حكاية عن مريم عليها السلام: * (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) * فهذا يحتمل أن يكون من جملة كلام مريم، وأن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى، وقوله * (بغير حساب) * أي بغير تقدير لكثرته، أو من غير مسألة سألها على سبيل يناسب حصولها، وهذا كقوله * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * (الطلاق: 3) وههنا آخر الكلام في قصة حنة. القصة الثانية واقعة زكريا عليه السلام قوله تعالى * (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعآء) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن قولنا: ثم، وهناك، وهنالك، يستعمل في المكان، ولفظة: عند، وحين يستعملان في الزمان، قال تعالى: * (فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) * (الأعراف: 119) وهو إشارة إلى المكان الذي كانوا فيه، وقال تعالى: * (إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا) * (الفرقان: 13) أي في ذلك المكان الضيق، ثم قد يستعمل لفظة * (هنالك) * في الزمان أيضا، قال تعالى: * (هنالك الولاية لله الحق) * (الكهف: 44) فهذا إشارة إلى الحال والزمان. إذا عرفت هذا فنقول: قوله * (هنالك دعا زكريا ربه) * إن حملناه على المكان فهو جائز، أي في ذلك المكان الذي كان قاعدا فيه عند مريم عليها السلام، وشاهد تلك الكرامات دعا ربه، وإن حملناه على الزمان فهو أيضا جائز، يعني في ذلك الوقت دعا ربه.
المسألة الثانية: اعلم أن قوله * (هنالك دعا) * يقتضي أنه دعا بهذا الدعاء عند أمر عرفه في ذلك الوقت له تعلق بهذا الدعاء، وقد اختلفوا فيه، والجمهور الأعظم من العلماء المحققين والمفسرين قالوا: هو أن زكريا عليه السلام رأى عند مريم من فاكهة الصيف في الشتاء، ومن فاكهة الشتاء في الصيف، فلما رأى خوارق العادات عندها، طمع في أن يخرقها الله تعالى في حقه أيضا فيرزقه الولد