وهي أنه تعالى وإن أشهد غيره، فليس محتاجا إلى ذلك الإشهاد، لأنه تعالى لا يخفى عليه خافية لكن لضرب من المصلحة لأنه سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، ثم إنه تعالى ضم إليه تأكيدا آخر فقال: * (فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) * يعني من أعرض عن الإيمان بهذا الرسول وبنصرته بعد ما تقدم من هذه الدلائل كان من الفاسقين ووعيد الفاسق معلوم، وقوله * (فمن تولى بعد ذلك) * هذا شرط، والفعل الماضي ينقلب مستقبلا في الشرط والجزاء، والله أعلم.
قوله تعالى * (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السماوات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام شرع شرعه الله وأوجبه على جميع من مضى من الأنبياء والأمم، لزم أن كل من كره ذلك فإنه يكون طالبا دينا غير دين الله، فلهذا قال بعده * (أفغير دين الله يبغون) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حفص عن عاصم * (يبغون) * و * (يرجعون) * بالياء المنقطة من تحتها، لوجهين أحدهما: ردا لهذا إلى قوله * (وأولئك هم الفاسقون) * (آل عمران: 82) والثاني: أنه تعالى إنما ذكر حكاية أخذ الميثاق حتى يبين أن اليهود والنصارى يلزمهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلما أصروا على كفرهم قال على جهة الاستنكار * (أفغير دين الله يبغون) * وقرأ أبو عمرو * (تبغون) * بالتاء خطابا لليهود وغيرهم من الكافر و * (يرجعون) * بالياء ليرجع إلى جميع المكلفين المذكورين في قوله * (وله أسلم من في السماوات والأرض) * وقرأ الباقون فيهما بالتاء على الخطاب، لأن ما قبله خطاب كقوله * (أأقرتم وأخذتم) * (آل عمران: 81) وأيضا فلا يبعد أن يقال للمسلم والكافر ولكل أحد: أفغير دين الله تبغون مع علمكم بأنه أسلم له من في السماوات والأرض، وأن مرجعكم إليه وهو كقوله * (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) * (آل عمران: 101).
المسألة الثانية: الهمزة للاستفهام والمراد استنكار أن يفعلوا ذلك أو تقرير أنهم يفعلونه، وموضع الهمزة هو لفظة * (يبغون) * تقديره: أيبغون غير دين الله؟ لأن الاستفهام إنما يكون عن الأفعال والحوادث، إلا أنه تعالى قدم المفعول الذي هو * (غير دين الله) * على فعله، لأنه أهم من حيث