وثانيتهما: كلمة * (على) * وهي للوجوب في قوله * (ولله على الناس) * ورابعها: أن ظاهر اللفظ يقتضي إيجابه على كل إنسان يستطيعه، وتعميم التكليف يدل على شدة الاهتمام وخامسها: أنه قال * (ومن كفر) * مكان، ومن لم يحج وهذا تغليظ شديد في حق تارك الحج وسادسها: ذكر الاستغناء وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان وسابعها: قوله * (عن العالمين) * ولم يقل عنه لأن المستغني عن كل العالمين أولى أن يكون مستغنيا عن ذلك الإنسان الواحد وعن طاعته، فكان ذلك أدل على السخط وثامنها: أن في أول الآية قال: * (ولله على الناس) * فبين أن هذا الإيجاب كان لمجرد عزة الإلهية وكبرياء الربوبية، لا لجر نفع ولا لدفع ضر، ثم أكد هذا في آخر الآية بقوله * (فإن الله غني عن العالمين) * ومما يدل من الأخبار على تأكيد الأمر بالحج، قوله عليه الصلاة والسلام: " حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالث " وروي " حجوا قبل أن لا تحجوا حجوا قبل أن يمنع البر جانبه " قيل: معناه أنه يتعذر عليكم السفر في البر في مكة لعدم الأمن أو غيره، وعن ابن مسعود " حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا هلكت ".
قوله تعالى * (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بايات الله والله شهيد على ما تعملون * قل يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عوجا وأنتم شهدآء وما الله بغافل عما تعملون) *.
إعلم أن في كيفية النظم وجهين الأول: وهو الأوفق: أنه تعالى لما أورد الدلائل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام مما ورد في التوراة والإنجيل من البشارة بمقدمه، ثم ذكر عقيب ذلك شبهات القوم.
فالشبهة الأولى: ما يتعلق بإنكار النسخ.
وأجاب عنها بقوله * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * (آل عمران: 93).
والشبهة الثانية: ما يتعلق بالكعبة ووجوب استقبالها في الصلاة ووجوب حجها.