ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123) والجواب: اللهم قد يراد به العزم، وقد يراد به الفكر، وقد يراد به حديث النفس، وقد يراد به ما يظهر من القول الدال على قوة العدو، وكثرة عدده ووفور عدده، لان أي شئ ظهر من هذا الجنس صح أن يوصف من ظهر ذلك منه بأنه هم بأن يفشل من حيث ظهر منه ما يوجب ضعف القلب، فكان قوله (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) لا يدل على أن معصية وقعت منهما. وأيضا فبتقدير أن يقال: ان ذلك معصية لكنهما من باب الصغائر لا من باب الكبائر، بدليل قوله تعالى (والله وليهما) فان ذلك الهم لو كان من باب الكبائر لما بقيت ولاية الله لهما ثم قال تعالى (والله وليهما) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) قرأ عبد الله (والله وليهم) كقوله (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) (المسألة الثانية) في المعنى وجوه: الأول: أن المراد منه بيان أن ذلك الهم ما أخرجهما عن ولاية الله تعالى. الثاني: كأنه قيل: الله تعالى ناصرهما ومتولي أمرهما فكيف يليق بهما هذا الفشل وترك التوكل على الله تعالى؟ الثالث: فيه تنبيه على أن ذلك الفشل إنما لم يدخل في الوجود لان الله تعالى وليهما، فأمدهما بالتوفيق والعصمة: والغرض منه بيان أنه لولا توفيقه سبحانه وتسديده لما تخلص أحد عن ظلمات المعاصي، ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى بعد هذه الآية (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فان: قيل: ما معنى ما روى عن بعضهم عند نزول هذه الآية أنه قال: والله ما يسرنا أنا لم نهم بما همت الطائفتان به وقد أخبرنا الله تعالى بأنه وليهما؟
قلنا: معنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى، وانزاله فيه آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهمة ما أخرجتهم عن ولاية الله تعالى ثم قال (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) التوكل: تفعل. من وكل أمره إلى فلان، إذا اعتمد فيه كفايته عليه ولم يتوله بنفسه، وفى الآية إشارة إلى أنه ينبغي أن يدفع الانسان ما يعرض له من مكروه وآفة بالتوكل على الله وأن يصرف الجزع عن نفسه بذلك التوكل قوله تعالى * (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فا تقوا الله لعلكم تشكرون) *.
في كيفية النظم وجهان: الأول: أنه تعالى لما ذكر قصة أحد أتبعها بذكر قصة بدر، وذلك لان المسلمين يوم بدر كانوا في غاية الفقر والعجز، والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة، ثم انه تعالى