حذف العاطف، وهو كما يقول السيد لعبده: أكرمتك لتخدمني لتعينني لتقوم بخدمتي حذف العاطف، لأن البعض يقرب من البعض، فكذا ههنا، وقوله * (طرفا) * أي طائفة وقطعة وإنما حسن في هذا الموضع ذكر الطرف ولم يحسن ذكر الوسط لأنه لا وصول إلى الوسط إلا بعد الأخذ من الطرف، وهذا يوافق قوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم) * (التوبة: 123) وقوله * (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * (الرعد: 41).
ثم قال: * (أو يكبتهم) * الكبت في اللغة صرع الشيء على وجهه، يقال: كبته فانكبت هذا تفسيره، ثم قد يذكر والمراد به الاخزاء والإهلاك واللعن والهزيمة والغيظ الإذلال، فكل ذلك ذكره المفسرون في تفسير الكبت، وقوله * (خائبين) * الخيبة هي الحرمان والفرق بين الخيبة وبين اليأس أن الخيبة لا تكون إلا بعد التوقع، وأما اليأس فإنه قد يكون بعد التوقع وقبله، فنقيض اليأس الرجاء، ونقيض الخيبة الظفر، والله أعلم.
قوله تعالى * (ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في سبب نزول هذه الآية قولان الأول: وهو المشهور: أنها نزلت في قصة أحد، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا على ثلاثة أوجه أحدها: أنه أراد أن يدعو على الكفار فنزلت هذه الآية والقائلون بهذا ذكروا احتمالات أحدها: روي أن عتبة بن أبي وقاص شجه وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم وهو يقول: " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم " ثم أراد أن يدعو عليهم فنزلت هذه الآية وثانيها: ما روى سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن أقواما فقال: " اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية " فنزلت هذه الآية * (أو يتوب عليهم) * فتاب الله على هؤلاء وحسن إسلامهم وثالثها: أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لما رآه ورأى ما فعلوا به من المثلة قال: " لأمثلن منهم بثلاثين "، فنزلت هذه الآية، قال القفال رحمه الله، وكل هذه الأشياء حصلت يوم أحد، فنزلت هذه الآية عند الكل فلا يمتنع حملها على كل الاحتمالات الثاني: في سبب نزول هذه الآية أنها نزلت بسبب أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يلعن المسلمين الذين خالفوا أمره والذين انهزموا فمنعه الله