هنالك، والله أعلم بالصواب.
قوله تعالى * (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) *.
أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت عند حضور وفد نجران على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من جملة شبههم أن قالوا: يا محمد، لما سلمت أنه لا أب له من البشر وجب أن يكون أبوه هو الله تعالى، فقال: إن آدم ما كان له أب ولا أم ولم يلزم أن يكون ابنا لله تعالى، فكذا القول في عيسى عليه السلام، هذا حاصل الكلام، وأيضا إذا جاز أن يخلق الله تعالى آدم من التراب فلم لا يجوز أن يخلق عيسى من دم مريم؟ بل هذا أقرب إلى العقل، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم أقرب من تولده من التراب اليابس، هذا تلخيص الكلام.
ثم ههنا مسائل:
المسألة الأولى: * (مثل عيسى عند الله كمثل آدم) * أي صفته كصفة آدم ونظيره قوله تعالى: * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * (الرعد: 35) أي صفة الجنة.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (خلقه من تراب) * ليس بصلة لآدم ولا صفة ولكنه خبر مستأنف على جهة التفسير بحال آدم، قال الزجاج: هذا كما تقول في الكلام مثلك كمثل زيد، تريد أن تشبهه به في أمر من الأمور، ثم تخبر بقصة زيد فتقول فعل كذا وكذا.
المسألة الثالثة: اعلم أن العقل دل على أنه لا بد للناس من والد أول، وإلا لزم أن يكون كل ولد مسبوق بوالد لا إلى أول وهو محال، والقرآن دل على أن ذلك الوالد الأول هو آدم عليه السلام كما في هذه الآية، وقال: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) * (النساء: 1) وقال: * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) * (الأعراف: 189) ثم إنه تعالى ذكر في كيفية خلق آدم عليه السلام وجوها كثيرة أحدها: أنه مخلوق من التراب كما في هذه الآية والثاني: أنه مخلوق من الماء، قال الله تعالى: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) * (الفرقان: 54) والثالث: أنه مخلوق من الطين قال الله تعالى: * (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) * (السجدة: 7، 8) والرابع: أنه مخلوق من سلالة من طين قال تعالى: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) * (المؤمنون: 11، 13) الخامس: أنه مخلوق من طين لازب قال تعالى: * (إنا خلقناهم من طين لازب) * (الصافات: 11) السادس: إنه مخلوق من صلصال قال تعالى: * (إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون) * (الحجر: 28)