سموا روحانيين، وجاء في رواية أخرى أنهم خلقوا من النور، ولهذا صفت وأخلصت لله تعالى والأولى أن يجمع بين القولين فنقول: أبدانهم من الريح وأرواحهم من النور فهؤلاء هم سكان عالم السماوات، أما الشياطين فهم كفرة أما إبليس فكفره ظاهر لقوله تعالى: * (وكان من الكافرين) * (البقرة: 34) وأما سائر الشياطين فهم أيضا كفرة بدليل قوله تعالى: * (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) * (الأنعام: 121) ومن خواص الشياطين أنهم بأسرها أعداء للبشر قال تعالى: * (ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) * (الكهف: 50) وقال: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) * (الأنعام: 112) ومن خواص الشياطين كونهم مخلوقين من النار قال الله تعالى حكاية عن إبليس * (خلقتني من نار وخلقته من طين) * (الأعراف: 12) وقال: * (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) * (الحجر: 27) فأما الجن فمنهم كافر ومنهم مؤمن، قال تعالى: * (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) * (الجن: 14) أما الإنس فلا شك أن لهم والدا هو والدهم الأول، وإلا لذهب إلى ما لا نهاية والقرآن دل على أن ذلك الأول هو آدم صلى الله عليه وسلم على ما قال تعالى في هذه السورة * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) * (آل عمران: 59) وقال: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) * (النساء: 1).
إذا عرفت هذا فنقول: اتفق العلماء على أن البشر أفضل من الجن والشياطين، واختلفوا في أن البشر أفضل أم الملائكة، وقد استقصينا هذه المسألة في تفسير قوله تعالى: * (اسجدوا لآدم فسجدوا) * (الأعراف: 11) والقائلون بأن البشر أفضل تمسكوا بهذه الآية، وذلك لأن الاصطفاء يدل على مزيد الكرامة وعلو الدرجة، فلما بين تعالى أنه اصطفى آدم وأولاده من الأنبياء على كل العالمين وجب أن يكونوا أفضل من الملائكة لكونهم من العالمين.
فإن قيل: إن حملنا هذه الآية على تفضيل المذكورين فيها على كل العالمين أدى إلى التناقض لأن الجمع الكثير إذا وصفوا بأن كل واحد منهم أفضل من كل العالمين يلزم كون كل واحد منهم أفضل من كل العالمين يلزم كون كل واحد منهم أفضل من الآخر وذلك محال، ولو حملناه على كونه أفضل عالمي زمانه أو عالمي جنسه لم يلزم التناقض، فوجب حمله على هذا المعنى دفعا للتناقض وأيضا قال تعالى في صفة بني إسرائيل * (وإني فضلتكم على العالمين) * (البقرة: 47) ولا يلزم كونهم أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم بل قلنا المراد به عالمو زمان كل واحد منهم، والجواب ظاهر في قوله: اصطفى آدم على العالمين، يتناول كل من يصح إطلاق لفظ العالم عليه فيندرج فيه الملك، غاية ما في هذا الباب أنه ترك العمل بعمومه في بعض الصور لدليل قام عليه، فلا يجوز أن نتركه في سائر الصور من غير دليل.