ثوابه وعلو درجته عن الله تعالى.
فإن قيل: كيف كان وجيها في الدنيا واليهود عاملوه بما عاملوه، قلنا: قد ذكرنا أنه تعالى سمى موسى عليه السلام بالوجيه مع أن اليهود طعنوا فيه، وآذوه إلى أن برأه الله تعالى مما قالوا، وذلك لم يقدح في وجاهة موسى عليه السلام، فكذا ههنا.
المسألة الثانية: قال الزجاج * (وجيها) * منصوب على الحال، المعنى: أن الله يبشرك بهذا الولد وجيها في الدنيا والآخرة، والفراء يسمي هذا قطعا كأنه قال: عيسى بن مريم الوجيه فقطع منه التعريف.
أما قوله * (ومن المقربين) * ففيه وجوه أحدها: أنه تعالى جعل ذلك كالمدح العظيم للملائكة فألحقه بمثل منزلتهم ودرجتهم بواسطة هذه الصفة وثانيها: أن هذا الوصف كالتنبيه على أنه عليه السلام سيرفع إلى السماء وتصاحبه الملائكة وثالثها: أنه ليس كل وجيه في الآخرة يكون مقربا لأن أهل الجنة على منازل ودرجات، ولذلك قال تعالى: * (وكنتم أزواجا ثلاثة) * (الواقعة: 7) إلى قوله * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * (الواقعة: 10).
أما قوله تعالى: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: الواو للعطف على قوله * (وجيها) * والتقدير كأنه قال: وجيها ومكلما للناس وهذا عندي ضعيف، لأن عطف الجملة الفعلية على الإسمية غير جائز إلا للضرورة، أو الفائدة والأولى أن يقال تقدير الآية * (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) * الوجيه في الدنيا والآخرة المعدود من المقربين، وهذا المجموع جملة واحدة، ثم قال: * (ويكلم الناس) * فقوله * (ويكلم الناس) * عطف على قوله * (إن الله يبشرك) *.
المسألة الثانية: في المهد قولان أحدهما: أنه حجر أمه والثاني: هو هذا الشيء المعروف الذي هو مضجع الصبي وقت الرضاع، وكيف كان المراد منه: فإنه يكلم الناس في الحالة التي يحتاج الصبي فيها إلى المهد، ولا يختلف هذا المقصود سواء كان في حجر أمه وكان في المهد.
المسألة الثالثة: قوله * (وكهلا) * عطف على الظرف من قوله * (في المهد) * كأنه قيل: يكلم الناس صغيرا وكهلا وههنا سؤالات:
السؤال الأول: ما الكهل؟.
الجواب: الكهل في اللغة ما اجتمع قوته وكمل شبابه، وهو مأخوذ من قول العرب اكتهل النبات إذا قوي وتم قال الأعشى:
يضاحك الشمس منها كوكب * شرق مؤزر بجميم النبت مكتهل