والجواب عن السادس: إن بتقدير أن يكون الذي ألقي شبه عيسى عليه السلام عليه كان مسلما وقبل ذلك عن عيسى جائز أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة، وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه، ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع، والله ولي الهداية.
قوله تعالى * (فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة وما لهم من ناصرين) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر * (إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) * بين بعد ذلك مفصلا ما في ذلك الاختلاف، أما الاختلاف فهو أن كفر قوم وآمن آخرون، وأما الحكم فيمن كفر فهو أن يعذبه عذابا شديدا في الدنيا والآخرة، وأما الحكم فيمن آمن وعمل الصالحات، فهو أن يوفيهم أجورهم، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أما عذاب الكافر في الدنيا فهو من وجهين أحدهما: القتل والسبي وما شاكله، حتى لو ترك الكفر لم يحسن إيقاعه به، فذلك داخل في عذاب الدنيا والثاني: ما يلحق الكافر من الأمراض والمصائب، وقد اختلفوا في أن ذلك هل هو عقاب أم لا؟ قال بعضهم: إنه عقاب في حق الكافر، وإذا وقع مثله للمؤمن فإنه لا يكون عقابا بل يكون ابتلاء وامتحانا، وقال الحسن: إن مثل هذا إذا وقع للكافر لا يكون عقابا بل يكون أيضا ابتلاء وامتحانا، ويكون جاريا مجرى الحدود التي تقام على النائب، فإنها لا تكون عقابا بل امتحانا، والدليل عليه أنه تعالى يعد الكل بالصبر عليها والرضا بها والتسليم لها وما هذا حاله لا يكون عقابا.
فإن قيل: فقد سلمتم في الوجه الأول إنه عذاب للكافر على كفره، وهذا على خلاف قوله تعالى: * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) * (النحل: 61) وكلمة * (لو) * تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، فوجب أن لا توجد المؤاخذة في الدنيا، وأيضا قال تعالى: * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * (غافر: 17) وذلك يقتضي حصول المجازاة في ذلك اليوم، لا في الدنيا، قلنا: الآية الدالة على حصول العقاب في الدنيا خاصة، والآيات التي ذكرتموها عامة، والخاص مقدم على العام.