ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم) * (الشعراء: 88، 89) وقوله * (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * (البقرة: 48) الآية وقوله * (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) * (آل عمران: 91) وقوله * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) * (سبأ: 37) ولما بين تعالى أنه لا انتفاع لهم بأموالهم ولا بأولادهم، قال: * (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *.
واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن فساق أهل الصلاة لا يبقون في النار أبدا فقالوا قوله * (وأولئك أصحاب النار) * كلمة تفيد الحصر فإنه يقال: أولئك أصحاب زيد لا غيرهم وهم المنتفعون به لا غيرهم ولما أفادت هذه الكلمة معنى الحصر ثبت أن الخلود في النار ليس إلا للكافر.
قوله تعالى * (مثل ما ينفقون فى هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين أن أموال الكفار لا تغني عنهم شيئا، ثم إنهم ربما أنفقوا أموالهم في وجوه الخيرات، فيخطر ببال الإنسان أنهم ينتفعون بذلك، فأزال الله تعالى بهذه الآية تلك الشبهة، وبين أنهم لا ينتفعون بتلك الإنفاقات، وإن كانوا قد قصدوا بها وجه الله. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: المثل الشبه الذي يصير كالعلم لكثرة استعماله فيما يشبه به وحاصل الكلام أن كفرهم يبطل ثواب نفقتهم، كما أن الريح الباردة تهلك الزرع. فإن قيل: فعلى هذا التقدير مثل إنفاقهم هو الحرث الذي هلك، فكيف شبه الإنفاق بالريح الباردة المهلكة.
قلنا: المثل قسمان منه ما حصلت فيه المشابهة بين ما هو المقصود من الجملتين وإن لم تحصل المشابهة بين أجزاء الجملتين، وهذا هو المسمى بالتشبيه المركب، ومنه ما حصلت المشابهة فيه بين المقصود من الجملتين، وبين أجزاء كل واحدة منهما، فإذا جعلنا هذا المثل من القسم الأول زال السؤال، وإن جعلناه من القسم الثاني ففيه وجوه الأول: أن يكون التقدير: مثل الكفر في إهلاك ما ينفقون، كمثل الريح المهلكة للحرث الثاني: مثل ما ينفقون، كمثل مهلك ريح، وهو الحرث الثالث: لعل الإشارة في قوله * (مثل ما ينفقون) * إلى ما أنفقوا في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع العساكر عليه، وكان هذا الإنفاق مهلكا لجميع ما أتوا به من أعمال