معنى، لأن الله تعالى يزيد في ثوابه لأجل وصول تلك الأحزان إليه والثاني: أن يكون المراد من قوله * (ظلموا أنفسهم) * هو أنهم زرعوا في غير موضع الزرع أو في غير وقته، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وعلى هذا التفسير يتأكد وجه التشبيه، فإن من زرع لا في موضعه ولا في وقته يضيع، ثم إذا أصابته الريح الباردة كان أولى بأن يصير ضائعا، فكذا ههنا الكفار لما أتوا بالإنفاق لا في موضعه ولا في وقته ثم أصابه شؤم كفرهم امتنع أن لا يصير ضائعا والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) * والمعنى أن الله تعالى ما ظلمهم حيث لم يقبل نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث أتوا بها مقرونة بالوجوه المانعة من كونها مقبولة لله تعالى قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (ولكن) * بالتشديد بمعنى ولكن أنفسهم يظلمونها، ولا يجوز أن يراد، ولكنه أنفسهم يظلمون على إسقاط ضمير الشأن، لأنه لا يجوز إلا في الشعر.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضآء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الايات إن كنتم تعقلون) *.
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال المؤمنين والكافرين شرع في تحذير المؤمنين عن مخالطة الكافرين في هذه الآية وههنا مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن الذين نهى الله المؤمنين عن مخالطتهم من هم؟ على أقوال: الأول: أنهم هم اليهود وذلك لأن المسلمين كانوا يشاورونهم في أمورهم ويؤانسونهم لما كان بينهم من الرضاع والحلف ظنا منهم أنهم وإن خالفوهم في الدين فهم ينصحون لهم في أسباب المعاش فنهاهم الله تعالى بهذه الآية عنه، وحجة أصحاب هذا القول أن هذه الآيات من أولها إلى آخرها مخاطبة مع اليهود فتكون هذه الآية أيضا كذلك الثاني: أنهم هم المنافقون، وذلك لأن المؤمنين كانوا يغترون بظاهر أقوال المنافقين ويظنون أنهم صادقون فيفشون إليهم الأسرار ويطلعونهم على الأحوال الخفية، فالله تعالى منعهم عن ذلك، وحجة أصحاب هذا القول أن