السؤال الثالث: إن كانت هذه الآية وعيدا على كل ما يخطر بالبال فهو تكليف ما لا يطاق.
الجواب: ذكرنا تفصيل هذه الكلام في آخر سورة البقرة في قوله * (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * (البقرة: 284).
ثم قال تعالى: * (ويعلم ما في السماوات وما في الأرض) *.
واعلم أنه رفع على الاستئناف، وهو كقوله * (قاتلوهم يعذبهم الله) * (التوبة: 14) جزم الأفاعيل، ثم قال: * (ويتوب الله) * فرفع، ومثله قوله * (فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل) * (الشورى: 24) رفعا، وفي قوله * (ويعلم ما في السماوات وما في الأرض) * غاية التحذير لأنه إذا كان لا يخفى عليه شيء فيهما فكيف يخفى عليه الضمير.
ثم قال تعالى: * (والله على كل شيء قدير) * إتماما للتحذير، وذلك لأنه لما بين أنه تعالى عالم بكل المعلومات كان عالما بما في قلبه، وكان عالما بمقادير استحقاقه من الثواب والعقاب، ثم بين أنه قادر على جميع المقدورات، فكان لا محالة قادرا على إيصال حق كل أحد إليه، فيكون في هذا تمام الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب.
قوله تعالى * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله روءوف بالعباد) *.
اعلم أن هذه الآية من باب الترغيب والترهيب، ومن تمام الكلام الذي تقدم.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في العامل في قوله * (يوم) * وجوها الأول: قال ابن الأنباري: اليوم متعلق بالمصير والتقدير: وإلى الله المصير يوم تجد الثاني: العامل فيه قوله * (ويحذركم الله نفسه) * في الآية السابقة، كأنه قال: ويحذركم الله نفسه في ذلك اليوم الثالث: العامل فيه قوله * (والله على كل شيء قدير) * أي قدير في ذلك اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وخص هذا اليوم بالذكر، وإن كان غيره من الأيام بمنزلته في قدرة الله تعالى تفضيلا له لعظم شأنه كقوله * (مالك يوم الدين) * (الفاتحة: 4) الرابع: أن العامل فيه قوله * (تود) * والمعنى: تود كل نفس كذا وكذا في ذلك اليوم الخامس: يجوز أن يكون منتصبا بمضمر، والتقدير: واذكر يوم تجد كل نفس.