وفيه وجوه الأول: أنه رؤوف بهم حيث حذرهم من نفسه، وعرفهم كمال علمه وقدرته، وأنه يمهل ولا يمهل، ورغبهم في استيجاب رحمته، وحذرهم من استحقاق غضبه، قال الحسن: ومن رأفته بهم أن حذرهم نفسه الثاني: أنه رؤوف بالعباد حيث أمهلهم للتوبة والتدارك والتلافي الثالث: أنه لما قال: * (ويحذركم الله نفسه) * وهو للوعيد أتبعه بقوله * (والله رؤوف بالعباد) * وهو الموعد ليعلم العبد أن وعده ورحمته، غالب على وعيده وسخطه والرابع: وهو أن لفظ العباد في القرآن مختص، قال تعالى: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * (الفرقان: 63) وقال تعالى: * (عينا يشرب بها عباد الله) * (الإنسان: 6) فكان المعنى أنه لما ذكر وعيد الكفار والفساق ذكر وعد أهل الطاعة فقال: * (والله رؤوف بالعباد) * أي كما هو منتقم من الفساق، فهو رؤوف بالمطيعين والمحسنين.
قوله تعالى * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) *.
اعلم أنه تعالى لما دعا القوم إلى الإيمان به، والإيمان برسله على سبيل التهديد والوعيد، دعاهم إلى ذلك من طريق آخر وهو أن اليهود كانوا يقولون * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * (المائدة: 18) فنزلت هذه الآية، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم وقف على قريش وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام فقال: يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة إبراهيم، فقالت قريش: إنما نعبد هذه حبا لله تعالى ليقربونا إلى الله زلفى، فنزلت هذه الآية، ويروى أن النصارى قالوا: إنما نعظم المسيح حبا لله، فنزلت هذه الآية، وبالجملة فكل واحد من فرق العقلاء يدعي أنه يحب الله، ويطلب رضاه وطاعته فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل إن كنتم صادقين في ادعاء محبة الله تعالى فكونوا منقادين لأوامره محترزين عن مخالفته، وتقدير الكلام: أن من كان محبا لله تعالى لا بد وأن يكون في غاية الحذر مما يوجب سخطه، وإذا قامت الدلالة القاطعة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبت متابعته، فإن لم تحصل هذه المتابعة دل ذلك على أن تلك المحبة ما حصلت.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أما الكلام المستقصى في المحبة، فقد تقدم في تفسير قوله تعالى: * (والذين