* (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضآلون) *.
خلود أثر اللعن، لأن اللعن يوجب العقاب، فعبر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعن، ونظيره قوله تعالى: * (من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا * خالدين فيه) * (طه: 100، 101) الثالث: قال ابن عباس قوله * (خالدين فيها) * أي في جهنم فعلى هذا الكناية عن غير مذكور، واعلم أن قوله * (خالدين فيها) * نصب على الحال مما قبله، وهو قوله تعالى: * (عليهم لعنة الله) *.
ثم قال: * (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * معنى الانظار التأخير قال تعالى: * (فنظرة إلى ميسرة) * (البقرة: 280) فالمعنى أنه لا يجعل عذابهم أخف ولا يؤخر العقاب من وقت إلى وقت وهذا تحقيق قول المتكلمين: إن العذاب الملحق بالكافر مضرة خالصة عن شوائب المنافع دائمة غير منقطعة، نعوذ منه بالله.
ثم قال: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * والمعنى إلا الذين تابوا منه، ثم بين أن التوبة وحدها لا تكفي حتى ينضاف إليها العمل الصالح فقال: * (وأصلحوا) * أي أصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات وظاهرهم مع الخلق بالعبادات، وذلك بأن يلعنوا بأنا كنا على الباطل حتى أنه لو اغتر بطريقتهم الفاسدة مغتر رجع عنها.
ثم قال: * (فإن الله غفور رحيم) * وفيه وجهان الأول: غفور لقبائحهم في الدنيا بالستر، رحيم في الآخرة بالعفو الثاني: غفور بإزالة العقاب، رحيم بإعطاء الثواب، ونظيره قوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (الأنفال: 38) ودخلت الفاء في قوله * (فإن الله غفور رحيم) * لأنه الجزاء، وتقدير الكلام: إن تابوا فإن الله يغفر لهم.
* (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضآلون) *.
المسألة الأولى: اختلفوا فيما به يزداد الكفر، والضابط أن المرتد يكون فاعلا للزيادة بأن يقيم ويصر فيكون الإصرار كالزيادة، وقد يكون فاعلا للزيادة بأن يضم إلى ذلك الكفر كفرا آخر، وعلى هذا التقدير الثاني ذكروا فيه وجوها الأول: أن أهل الكتاب كانوا مؤمنين بمحمد عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه، ثم كفروا به عند المبعث، ثم ازدادوا كفرا بسبب طعنهم فيه في كل وقت، ونقضهم ميثاقه، وفتنتهم للمؤمنين، وإنكارهم لكل معجزة تظهر الثاني: أن اليهود كانوا مؤمنين بموسى عليه السلام، ثم كفروا بسبب إنكارهم عيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا،