وحملنا هذ اللفظ على التأويل، فإنه يقال: فلان يأكل الأطعمة الطيبة، ويلبس الثياب النفيسة، أي يأكل من هذا الجنس، ويلبس من هذا الجنس، مع أن المعلوم أنه لم يأكل جميع الأطعمة، ولم يلبس جميع الأثواب، فكذا ههنا، ومثله في القرآن * (الذين قال لهم الناس) * (آل عمران: 173) وهم نعيم بن مسعود إن الناس: يعني أبا سفيان، قال المفضل بن سلمة: إذا كان القائل رئيسا جاز الإخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه، فلما كان جبريل رئيس الملائكة، وقلما يبعث إلا ومعه جمع صح ذلك.
أما قوله * (وهو قائم يصلي في المحراب) * فهو يدل على أن الصلاة كانت مشروعة في دينهم، والمحراب قد ذكرنا معناه.
أما قوله * (أن الله يبشرك بيحيى) * ففيه مسائل: المسألة الأولى: أما البشارة فقد فسرناها في قوله تعالى: * (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (البقرة: 25) وفي قوله * (يبشرك بيحيى) * وجهان الأول: أنه تعالى كان قد عرف زكريا أنه سيكون في الأنبياء رجل اسمه يحيى وله ذرية عالية، فإذا قيل: إن ذلك النبي المسمى بيحيى هو ولدك كان ذلك بشارة له بيحيى عليه السلام والثاني: أن الله يبشرك بولد اسمه يحيى.
المسألة الثانية: قرأ ابن عامر وحمزة * (إن) * بكسر الهمزة، والباقون بفتحها، أما الكسر فعلى إرادة القول، أو لأن النداء نوع من القول، وأما الفتح فتقديره: فنادته الملائكة بأن الله يبشرك.
المسألة الثالثة: قرأ حمزة والكسائي * (يبشرك) * بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين، وقرأ الباقون * (يبشرك) * وقرئ أيضا * (يبشرك) * قال أبو زيد يقال: بشر يبشر بشرا، وبشر يبشر تبشيرا، وأبشر يبشر ثلاث لغات.
المسألة الرابعة: قرأ حمزة والكسائي * (يحيى) * بالإمالة لأجل الياء والباقون بالتفخيم، وأما أنه لم سمى يحيى فقد ذكرناه في سورة مريم، واعلم أنه تعالى ذكر من صفات يحيى ثلاثة أنواع:
الصفة الأولى: قوله * (مصدقا بكلمة من الله) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال الواحدي قوله * (مصدقا بكلمة من الله) * نصب على الحال لأنه نكرة، ويحيى معرفة.
المسألة الثانية: في المراد * (بكلمة من الله) * قولان الأول: وهو قول أبي عبيدة: أنها كتاب من الله، واستشهد بقولهم: أنشد فلان كلمة، والمراد به القصيدة الطويلة.
والقول الثاني: وهو اختيار الجمهور: أن المراد من قوله * (بكلمة من الله) * هو عيسى عليه السلام، قال السدي: لقيت أم عيسى أم يحيى عليهما السلام، وهذه حامل بيحيى وتلك بعيسى،