شيء كان طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه فإن الله به عليم يجازيكم على قدره.
قوله تعالى * (كل الطعام كان حلا لبنى إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين * فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون * قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) *.
اعلم أن الآيات المتقدمة إلى هذه الآية كانت في تقرير الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي توجيه الإلزامات الواردة على أهل الكتاب في هذا الباب.
وأما هذه الآية فهي في بيان الجواب عن شبهات القوم فإن ظاهر الآية يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعي أن كل الطعام كان حلا ثم صار البعض حراما بعد أن كان حلا والقوم نازعوه في ذلك وزعموا أن الذي هو الآن حرام كان حراما أبدا.
وإذا عرفت هذا فنقول: الآية تحتمل وجوها الأول: أن اليهود كانوا يعولون في إنكار شرع محمد صلى الله عليه وسلم على إنكار النسخ، فأبطل الله عليهم ذلك بأن * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * فذاك الذي حرمه على نفسه، كان حلالا ثم صار حراما عليه وعلى أولاده فقد حصل النسخ، فبطل قولكم: النسخ غير جائز، ثم إن اليهود لما توجه عليهم هذا السؤال أنكروا أن يكون حرمة ذلك الطعام الذي حرم الله بسبب أن إسرائيل حرمه على نفسه، بل زعموا أن ذلك كان حراما من لدن زمان آدم عليه السلام إلى هذا الزمان، فعند هذا طلب الرسول عليه السلام منهم أن يحضروا التوراة فإن التوراة ناطقة بأن بعض أنواع الطعام إنما حرم بسبب أن إسرائيل حرمه على نفسه، فخافوا من الفضيحة وامتنعوا من إحضار