تنكرون عند العوام كون القرآن معجزا ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم كونه معجزا.
القول الثالث: أن المراد بآيات الله جملة المعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا القول فقوله تعالى: * (وأنتم تشهدون) * معناه أنكم إنما اعترفتم بدلالة المعجزات التي ظهرت على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدالة على صدقهم، من حيث أن المعجز قائم مقام التصديق من الله تعالى فإذا شهدتهم بأن المعجز إنما دل على صدق سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من هذا الوجه، وأنتم تشهدون حصول هذا الوجه في حق محمد صلى الله عليه وسلم كان إصراركم على إنكار نبوته ورسالته مناقضا لما شهدتهم بحقيته من دلالة معجزات سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على صدقهم.
قوله تعالى * (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) *.
اعلم أن علماء اليهود والنصارى كانت لهم حرفتان إحداهما: أنهم كانوا يكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم كانوا يعلمون بقلوبهم أنه رسول حق من عند الله والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في الآية الأولى وثانيتهما: إنهم كانوا يجتهدون في إلقاء الشبهات، وفي إخفاء الدلائل والبينات والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في هذه الآية الثانية، فالمقام الأول مقام الغواية والضلالة والمقام الثاني مقام الإغواء والإضلال، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء * (تلبسون) * بالتشديد، وقرأ يحيى بن وثاب * (تلبسون) * بفتح الباء، أي تلبسون الحق مع الباطل، كقوله عليه السلام: " كلابس ثوبي زور " وقوله. إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا المسألة الثانية: اعلم أن الساعي في إخفاء الحق لا سبيل له إلى ذلك إلا من أحد وجهين: إما بإلقاء شبهة تدل على الباطل، وإما بإخفاء الدليل الذي يدل على الحق، فقوله * (لم تلبسون الحق بالباطل) * إشارة إلى المقام الأول وقوله * (وتكتمون الحق) * إشارة إلى المقام الثاني أما لبس الحق بالباطل فإنه يحتمل ههنا وجوها أحدها : تحريف التوراة، فيخلطون المنزل بالمحرف، عن الحسن وابن زيد وثانيها: إنهم تواضعوا على إظهار الإسلام أول النهار، ثم الرجوع عنه في آخر النهار، تشكيكا للناس، عن ابن عباس وقتادة وثالثها: أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من البشارة والنعت والصفة ويكون في التوراة أيضا ما يوهم خلاف ذلك، فيكون كالمحكم