فإن قيل: هذه الآية تقتضي المنع من مصاحبة الكفار على الإطلاق، وقال تعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم... إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم) * (الممتحنة: 8، 9) فكيف الجمع بينهما؟ قلنا: لا شك أن الخاص يقدم على العام.
واعلم أنه تعالى لما منع المؤمنين من أن يتخذوا بطانة من الكافرين ذكر علة هذا النهي وهي أمور أحدها: قوله تعالى: * (لا يألونكم خبالا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": يقال (ألا) في الأمر يألوا إذا قصر فيه، ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم: لا آلوك نصحا، ولا آلوك جهدا على التضمين، والمعنى لا أمنعك نصحا ولا أنقصك جهدا.
المسألة الثانية: الخبال الفساد والنقصان، وأنشدوا: لستم بيد إلا يدا أبدا مخبولة العضد أي فاسدة العضد منقوضتها، ومنه قيل: رجل مخبول ومخبل ومختبل لمن كان ناقص العقل، وقال تعالى: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * (التوبة: 47) أي فسادا وضررا.
المسألة الثالثة: قوله * (لا يألونكم خبالا) * أي لا يدعون جهدهم في مضرتكم وفسادكم، يقال: ما ألوته نصحا، أي ما قصرت في نصيحته، وما ألوته شرا مثله.
المسألة الرابعة: انتصب الخبال بلا يألونكم لأنه يتعدى إلى مفعولين كما ذكرنا وإن شئت نصبته على المصدر، لأن معنى قوله * (لا يألونكم خبالا) * لا يخبلونكم خبالا وثانيها: قوله تعالى: * (ودوا ما عنتم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يقال وددت كذا، أي أحببته و (العنت) شدة الضرر والمشقة قال تعالى: * (ولو شاء الله لأعنتكم) * (البقرة: 220).
المسألة الثانية: ما مصدرية كقوله * (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) * (غافر: 75) أي بفرحكم ومرحكم وكقوله * (والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها) * (الشمس: 5، 6) أي بنائه إياها وطحيه إياها.
المسألة الثالثة: تقدير الآية: أحبوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر.
المسألة الرابعة: قال الواحدي رحمه الله: لا محل لقوله * (ودوا ما عنتم) * لأنه استئناف بالجملة وقيل: إنه صفة لبطانة، ولا يصح هذا لأن البطانة قد وصفت بقوله * (لا يألونكم خبالا) * فلو كان