الكلام، فأي كلام لي معه؟ من خلق العرش العظيم بكلمة واحدة، فحشاه السماوات والأرض وما فيهما من الخلق، فوسعه وهو في سعة واسعة، وهو الذي كلم البحار ففهمت قوله وأمرها فلم تعد أمره، وهو الذي يفقه الحيتان والطير وكل دابة، وهو الذي يكلم الموتى فيحييهم قوله، ويكلم الحجارة فتفهمه ويأمرها فتطيعه.
قال أليفر: عظيم ما تقول يا أيوب، إن الجلود لتقشعر من ذكر ما تقول، إن ما أصابك ما أصابك بغير ذنب أذنبته، مثل هذه الحدة وهذا القول أنزلك هذه المنزلة عظمت خطيئتك، وكثر طلابك، وغصبت أهل الأموال على أموالهم، فلبست وهم عراة، وأكلت وهم جياع، وحبست عن الضعيف بابك، وعن الجائع طعامك، وعن المحتاج معروفك، وأسررت ذلك وأخفيته في بيتك، وأظهرت أعمالا كنا نراك تعملها، فظننت أن الله لا يجزيك إلا على ما ظهر منك، وظننت أن الله لا يطلع على ما غيبت في بيتك، وكيف لا يطلع على ذلك وهو يعلم ما غيبت الأرضون وما تحت الظلمات والهواء؟
قال أيوب (ص): إن تكلمت لم ينفعني الكلام، وإن سكت لم تعذروني قد وقع علي كيدي، وأسخطت ربي بخطيئتي، وأشمت أعدائي، وأمكنتهم من عنقي، وجعلتني للبلاء غرضا، وجعلتني للفتنة نصبا لم تنفسني مع ذلك، ولكن أتبعني ببلاء على إثر بلاء. ألم أكن للغريب دارا، وللمسكين قرارا، ولليتيم وليا، وللأرملة قيما؟ ما رأيت غريبا إلا كنت له دارا مكان داره وقرارا مكان قراره، ولا رأيت مسكينا إلا كنت له مالا مكان ماله وأهلا مكان أهله، وما رأيت يتيما إلا كنت له أبا مكان أبيه، وما رأيت أيما إلا كنت لها قيما ترضى قيامه. وأنا عبد ذليل، إن أحسنت لم يكن لي كلام بإحسان، لان المن لربي وليس لي، وإن أسأت فبيده عقوبتي وقد وقع علي بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله، فكيف يحمله ضعفي؟
قال أليفر: أتحاج الله يا أيوب في أمره، أم تريد أن تناصفه وأنت خاطئ، أو تبرئها وأنت غير برئ؟ خلق السماوات والأرض بالحق، وأحصى ما فيهما من الخلق، فكيف لا يعلم ما أسررت، وكيف لا يعلم ما عملت فيجزيك به؟ وضع الله ملائكة صفوفا حول عرشه وعلى أرجاء سماواته، ثم احتجب بالنور، فأبصارهم عنه كليلة، وقوتهم عنه ضعيفة، وعزيزهم عنه ذليل، وأنت تزعم أن لو خاصمك وأدلي إلى الحكم معك، وهل تراه فتناصفه؟ أم هل تسمعه فتحاوره؟ قد عرفنا فيك قضاءه، إنه من أراد أن يرتفع وضعه، ومن