حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي ظبيان، قال: النار سوداء مظلمة لا يضئ لهبها ولا جمرها، ثم قرأ:
كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقد ذكر أنهم يحاولون الخروج من النار حين تجيش جهنم فتلقي من فيها إلى أعلى أبوابها، فيريدون الخروج فتعيدهم الخزان فيها بالمقامع، ويقولون لهم إذا ضربوهم بالمقامع: ذوقوا عذاب الحريق. وعني بقوله: ذوقوا عذاب الخريق ويقال لهم ذوقوا عذاب النار، وقيل عذاب الحريق والمعنى: المحرق، كما قيل: العذاب الأليم، بمعنى: المؤلم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ئ وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) *.
يقول تعالى ذكره: وأما الذين آمنوا بالله ورسوله فأطاعوهما بما أمرهم الله به من صالح الأعمال، فإن الله يدخلهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، فيحليهم فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا. واختلفت القراء في قراءة قوله: ولؤلؤا فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة نصبا مع التي في الملائكة، بمعنى: يحلون فيها أساور من ذهب ولؤلؤا، عطفا باللؤلؤ على موضع الأساور لان الأساور وإن كانت مخفوضة من أجل دخول من فيها، فإنها بمعنى النصب قالوا: وهي تعد في خط المصحف بالألف، فذلك دليل على صحة القراءة بالنصب فيه. وقرأت ذلك عامة قراء العراق والمصرين: ولؤلؤ خفضا عطفا على إعراب الأساور الظاهر.
واختلف الذي قرأوا ذلك كذلك في وجه إثبات الألف فيه، فكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لي عنه يقول: أثبتت فيه كما أثبتت في قالوا وكالوا. وكان الكسائي يقول:
أثبتوها فيه للهمزة، لان الهمزة حرف من الحروف.
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، متفقتا المعنى صحيحتا المخرج في العربية فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.]