وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: عني بالقانع: السائل لأنه لو كان المعني بالقانع في هذا الموضع المكتفي بما عنده والمستغني به، لقيل: وأطعموا القانع والسائل، ولم يقل: وأطعموا القانع والمعتر. وفي اتباع ذلك قوله: والمعتر الدليل الواضح على أن القانع معني به السائل، من قولهم: قنع فلان إلى فلان، بمعنى سأله وخضع إليه، فهو يقنع قنوعا ومنه قول لبيد:
وأعطاني المولى على حين فقره * إذا قال أبصر خلتي وقنوعي وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي، فإنه من قنعت به بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا. وأما المعتر: فإنه الذي يأتيك معترا بك لتعطيه وتطعمه.
وقوله: كذلك سخرناها لكم يقول هكذا سخرنا البدن لكم أيها الناس لعلكم تشكرون يقول: لتشكروني على تسخيرها لكم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) *.
يقول تعالى ذكره: (لن) يصل إلى الله لحوم بدنكم ولا دماؤها، ولكن يناله اتقاؤكم إياه إن اتقيتموه فيها فأردتم بها وجهه وعملتم فيها بما ندبكم إليه وأمركم به في أمرها وعظمتم بها حرماته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، في قول الله: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم قال: ما أريد به وجه الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم قال: إن اتقيت الله في هذه البدن، وعملت فيها لله، وطلبت ما قال الله تعظيما لشعائر الله ولحرمات الله، فإنه قال: