عمران. ويعني بقوله: أحصنت: حفظت، ومنعت فرجها مما حرم الله عليها إباحته فيه.
واختلف في الفرج الذي عنى الله جل ثناؤه أنها أحصنته، فقال بعضهم: عنى بذلك فرج نفسها أنها حفظته من الفاحشة.
وقال آخرون: عنى بذلك جيب درعها أنها منعت جبرئيل منه قبل أن تعلم أنه رسول ربها وقبل أن تثبته معرفة. قالوا: والذي يدل على ذلك قوله: فنفخنا فيها ويعقب ذلك قوله: والتي أحصنت فرجها قالوا: وكان معلوما بذلك أن معنى الكلام: والتي أحصنت جيبها فنفخنا فيها من روحنا.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة لان ذلك هو الأغلب من معنييه عليه والأظهر في ظاهر الكلام.
فنفخنا فيها من روحنا يقول: فنفخنا في جيب درعها من روحنا. وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله: فنفخنا فيها في غير هذا الموضع والأولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغني عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: وجعلناها وابنها آية للعالمين يقول: وجعلنا مريم وابنها عبرة لعالمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون في أمرهما، فيعلمون عظيم سلطاننا وقدرتنا على ما نشاء وقيل آية ولم يقل آيتين وقد ذكر آيتين لان معنى الكلام: جعلناهما علما لنا وحجة، فكل واحدة منهما في معنى الدلالة على الله وعلى عظيم قدرته يقوم مقام الآخر، إذ كان أمرهما في الدلالة على الله واحدا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) *.
يقول تعالى ذكره: إن هذه ملتكم ملة واحدة، وأنا ربكم أيها الناس فاعبدون دون الآلهة والأوثان وسائر ما تعبدون من دوني.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: