يقول تعالى ذكره: فأتوا بإبراهيم، فلما أتوا به قالوا له: أأنت فعلت هذا بآلهتنا من الكسر بها يا إبراهيم؟ فأجابهم إبراهيم: بل فعله كبيرهم هذا وعظيمهم، فاسألوا الآلهة من فعل بها ذلك وكسرها إن كانت تنطق أو تعبر عن نفسها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أتي به واجتمع له قومه عند ملكهم نمرود قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون غضب من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها، فكسرهن.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بل فعله كبيرهم هذا... الآية، وهي هذه الخصلة التي كادهم بها.
وقد زعم بعض من لا يصدق بالآثار ولا يقبل من الاخبار إلا ما استفاض به النقل من العوام، أن معنى قوله: بل فعله كبيرهم هذا إنما هو: بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم، أي إن كانت الآلهة المكسورة تنطق فإن كبيرهم هو الذي كسرهم. وهذا قول خلاف ما تظاهرت به الاخبار عن رسول الله (ص) أن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلها في الله، قوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله: إني سقيم، وقوله لسارة: هي أختي. وغير مستحيل أن يكون الله ذكره أذن لخليله في ذلك، ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لاخوته: أيتها العير إنكم لسارقون ولم يكونوا سرقوا شيئا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ئ ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) *.
يقول تعالى ذكره: فذكروا حين قال لهم إبراهيم صلوات الله عليه: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون في أنفسهم، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى