ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع: لتحصنكم بالتاء، بمعنى: لتحصنكم الصنعة، فأنث لتأنيث الصنعة. وقرأ شيبة بن نصاح وعاصم بن أبي النجود: لنحصنكم بالنون، بمعنى:
لنحصنكم نحن من بأسكم.
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بالياء، لأنها القراءة التي عليها الحجة من قراء الأمصار، وإن كانت القراءات الثلاث التي ذكرناها متقاربات المعاني وذلك أن الصنعة هي اللبوس، واللبوس هي الصنعة، والله هو المحصن به من البأس، وهو المحصن بتصيير الله إياه كذلك. ومعنى قوله: ليحصنكم ليحرزكم، وهو من قوله: قد أحصن فلان جاريته. وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل.
والبأس: القتال، وعلمنا داود صنعة سلاح لكم ليحرزكم إذا لبستموه ولقيتم فيه أعداءكم من القتل.
وقوله: فهل أنتم شاكرون يقول: فهل أنتم أيها الناس شاكرو الله على نعمته عليكم بما علمكم من صنعة اللبوس المحصن في الحرب وغير ذلك من نعمه عليكم، يقول: فاشكروني على ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين) *.
يقول تعالى ذكره: وسخرنا لسليمان بن داود الريح عاصفة وعصوفها:
شدة هبوبها تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها يقول: تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها يعني: إلى الشام وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام، فلذلك قيل: إلى الأرض التي باركنا فيها. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه قال: كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير، وقام له الجن والإنس حتى يجلس إلى سريره. وكان امرءا غزاء، قلما يقعد عن الغزو، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا أتاه حتى يذله. وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو، أمر بعسكره فضرب له بخشب، ثم نصب له على الخشب، ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة