وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسين الأشيب، قال: ثنا أبو جعفر عيسى بن ماهان، الذي يقال له الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله:
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر قال: كان أمرهم بالمعروف أنهم دعوا إلى الاخلاص لله وحده لا شريك له ونهيهم عن المنكر أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان. قال: فمن دعا إلى الله من الناس كلهم فقد أمر بالمعروف، ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان فقد نهى عن المنكر.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ئ وقوم إبراهيم وقوم لوط ئ وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير) *.
يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمدا (ص) عما يناله من أذى المشركين بالله، وحاضا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السب والتكذيب. وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق والبرهان، وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم من قبلهم، فلا يصدنك ذلك، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الامهال إلى بلوغ الآجال. فقد كذبت قبلهم يعني مشركي قريش قوم نوح، وقوم عاد وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب مدين، وهم قوم شعيب. يقول: كذب كل هؤلاء رسلهم. وكذب موسى فقيل: وكذب موسى ولم يقل: وقوم موسى، لان قوم موسى بنو إسرائيل، وكانت قد استجابت له ولم تكذبه، وإنما كذبه فرعون وقومه من القبط. وقد قيل: إنما قيل ذلك كذلك لأنه ولد فيهم كما ولد في أهل مكة.
وقوله: فأمليت للكافرين يقول: فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب. ثم أخذتهم يقول: ثم أحللت بهم العقاب بعد الاملاء